عبد اللطيف البوني

حاشية على متن


قصة وزارة الأوقاف التي استأجرت – أو بالأصح استؤجِرَ لها – مبنىً بثلاثة وعشرين ألف دولار (عشان تعمل شنو؟)؛ ملأت الدنيا وشغلت الناس وذلك لضخامة المبلغ، وكون أنه بالأخضر الإبراهيمي؛ والأبشع أن الحكاية منحة من دولة أجنبية!.
لقد طغت هذه الواقعة على إخفاقات هذه الوزارة التي لا تُحصى ولا تُعد؛ فمن كم سنة لا يمر علينا يوم وإلا نسمع بمصيبة من مصائب هذه الوزارة، ولم يحدث أن ذُكِر عنها ما تُحمد عليه، فهذا الأمر يحتاج لوقفة طويلة. دعونا نقفز فوق هذه القصة لأن السيد وزير الأوقاف قال (عنده فيها كلام)، وطلب من الإعلام إعطاءه فسحة زمنٍ فلهُ ما أراد.
على متن القضية أعلاه، لا بأس من إقامة بعض الحواشي؛ فأحياناً تكون الحاشية أهم من المتن فهذه القضية قد طرحت أمراً يستحق الاستجلاء وهو الإيجارات الحكومية ثم العقارات الحكومية، وأمر آخر فرعي وهو السمسرة؛ فالصفقة أعلاه لابد من أن يكون خلفها سمسار (كارب)!. على حسب علمي، فإن الحكومة والدولة معاً تنفقان أموالاً طائلة في الإيجارات – نقصد بالدولة المؤسسات العامة ونقصد بالحكومة الوزرات – فقديماً كانت وزارة الأشغال هي التي لها الولاية على العقارات والإيجارات، ولكن هذه الوزارة قد تم حلها وتفرق دمها بين الولايات وبالتالي أصبحت الإيجارات تخضع لمزاج الموظف المسؤول، وكلنا يذكر خبر المسؤول الكبير الذي تَرَكَ العقار الذي تملكه المؤسسة واستجأر المنزل الذي يملكه وبالمبلغ الذي يريد، أها (في عبث يا اخوانا أكتر من كدا؟)؛ عفواً فضل الله محمد.
المعلوم أن طيبة الذكر وزارة الأشغال لم تُقصِّر، فقد بنت للدولة عقارات كثيرة جداً في كل السودان، خاصةً في العاصمة، ثم فيما بعد جاء مسؤولون يموتون في الإنشاءات، حباً في الدولة وحباً في أنفسهم (أنا ما بَفَسِّر وانتَ ما تْقَصِّر)؛ فهؤلاء أقاموا مبانٍ كثيرة (بعضها أبراجاً تقرّب تنطح السحابة القريبة) للمؤسسات التي يقفون على رأسها، عليه يصبح من المستغرب جداً أن نجد الدولة والحكومة تستأجران عقارات ومبانيهما على قفا من يشيل؛ فوزارة الأوقاف بالذات تمتلك أوقافاً لا عدّ لها ولا حصر، وهي مؤجرة بتُراب القروش، فلماذا لم تتخذ لنفسها مكاتباً فيها؟ لا تسألوا العنبة إنما اسألوا أهل الكوميشنات وما تحت التربيزات وحاجات تانية.
إن قضية الإيجار الدولاري تطرح قضيةً أخرى وهي مسألة السماسرة، فأكاد أجزم أن وراء تلك الصفقة سمسار شاطر؛ فالسمسرة دخلت معاملاتنا في السنوات الأخيرة بكثافة غير معهودة، وأكبر متأذٍّ من السمسرة هي الدولة لأنها لا وجيع لها، فكل مشتروات الدولة أصبحت عن طريق السماسرة، وكذا المواطن أصبح من المكتويين بنار السمسرة.
قبل عدة أسابيع امتلأ السوق بالطماطم وبمصطلح السماسرة (ضَرَبت) فأصبح المزارع الذي يملأ الدفار صفائح طماطم ويأتي للسوق لا يرجع حتى ولو بإيجار الدفار (معليش يا جماعة الطماطم بالصفيحة والبصل بالشوال والبامية بالقفة، كدا التعبئة والتغليف ولاَّ بلاش) وهذه قصة أخرى. نرجع للطماطم؛ فبعد أن يشتري السماسرة المعروض بأبخس الأثمان يجمعونه ثم يفكونه لأسواق العاصمة الفرعية بالقطَّارة ليشتريها مواطن العاصمة بالكيلو ثم تبقى بقيتها مكومة في السوق لتتلف وتتعفن وتُرمى في القمامة، وإذا أراد المنتجون الدخول لأحياء العاصمة بدفَّاراتهم (الله قال بقولهم) اذهبوا لأسواق الذرة والسمك والبطيخ والشمام وخليكم من الكرينات ودلالة العربات، فانظروا ماذا يَرْكَب السماسرة وكيف حال المنتجين؟
كل الذي نتمناه هنا هو أن نتوقف عند حادثة الأوقاف أعلاه باعتبارها (كشّاف) لما تحتها من سواهي ودواهي لكي نسعى لمعالجتها، ويا ويل الأمة التي لا تتعلم من إخفاقاتها.