مقالات متنوعة

كمال عوض : التسوُّل والتشرُّد..احترافية توزيع الأدوار


> قبل يومين، كشفت وزيرة الرعاية الاجتماعية بالخرطوم أمل البيلي عن شبكات أجنبية تدير عملية التسوُّل والتشرد في الولاية، وقالت إن أكثر من نصف المتسولين والمتشردين في العاصمة أجانب، ويأتون من دولة مجاورة معروفة. ولضعف قانون المكافحة، صعبت السيطرة عليهم لأن القانون لم يحدد الردع المطلوب للأجانب. > أشارت البيلي أيضاً إلى أن تلك الشبكات تنقل أموالها للخارج عبر صرافات محددة لم تفصح عنها. > تجارة بشر من نوع جديد تغزو مجتمعاتنا بكثافة وبتنظيم دقيق يتم فيه توزيع الأدوار باحترافية. > ظاهرة المتسولين تكاثرت في الآونة الأخيرة بصورة مقلقة، وتعددت الأساليب والحيل. كما بث انتشار المشردين الرعب في شوارع الخرطوم لأنهم يهاجمونك بغتة، وبعضهم يكون في هيئة رثة جراء ما يتناولونه من مخدرات. > المتسولون والمشردون ظاهرة اجتماعية أفرزتها عوامل عدة، يجب التعامل معها بحكمة وعقلانية عبر استيعابهم في مشاريع ضخمة تعينهم على الاعتدال والعودة للحياة الطبيعية مرة أخرى. > يجب أن نسهم في إعادة هذه الشرائح إلى قاعات الدرس والتعليم بإشراف خبراء نفسيين وتربويين يستطيعون السيطرة على بعض السلوكيات النشاذ التي اعتادوها من خلال نمط حياتهم في الشوارع والأزقة وأكوام النفايات والمناطق الموحشة. > وعلينا ألا ننسى أن بعضاً من هؤلاء أتوا من أسر تعرضت لظروف قاهرة جراء الحروب والفقر والحالة الاقتصادية الضاغطة، مما أجبرهم على التشتُّت والهرب واللجوء إلى حلول بديلة يوفرون بها ما يسد رمقهم ويروي ظمأهم. > أما «الدولة المجاورة» التي قالت الوزيرة إنها معلومة لديهم، فيجب التعامل مع رعاياها بحزم وإرسال خطاب شديد اللهجة لإيقاف مثل هذه الهجرات، وتوضيح الضرر الكبير الذي عانيناه منها. > إجراءات الدخول إلى أي بلد صارمة جداً ويتعرض الزوار لتفتيش دقيق وفحص الهوية أكثر من مرة لمنع تسلل أي منفلت. ولكن يبدو أننا نعاني من بعض التراخي في مراقبة حدودنا مع دول الجوار وبالتالي يكثر تهريب مثل هذه الفئات وتصعب السيطرة عليهم بعد ذلك. > وحتى لا نلقي باللوم كله على تلك «الدولة المجاورة»، نلفت الانتباه الى أن مجتمعنا المحلي أيضاً تفشت فيه ظاهرة التسول بصورة أكبر، ونشاهد يومياً وجوهاً وسحنات سودانية تمتهن هذه «المهنة»،إن جاز لنا أن نسميها كذلك. > نشرت الصحافة السودانية قبل ذلك أكثر من تحقيق عن هذه الظاهرة وكشفت الزميلة «السوداني» عن أماكن تجمعات ومحيط عمل معروف يتم فيه توزيع مجموعة محددة من المتسولين ويُعيَّن أحد منهم ليكون مسؤولاً عن البقية ويقوم بحمايتهم وتنظيم حركتهم ويبعد عنهم الغرباء. > وهناك مناطق في أطراف الخرطوم يتخذ منها المشردون سكناً دائماً ومكاناً للالتقاء ثم الانتشار، واتخذ البعض الآخر مصارف الأمطار ومنهولات الصرف الصحي ملجأ يحتمون به كل ما داهمهم الخطر. > ترك هذه الشريحة المهمة من المجتمع دون رقابة وآليات سيطرة، يفرز جرائم بشعة، وينقل الأمراض والأوبئة الفتاكة، لأن المشردون نادراً ما يُعرضون على الأطباء، إضافة إلى أنهم يعيشون على بقايا المأكولات التي يلتقطونها من أكوام النفايات ومخلفات المطاعم. > أما المتسولون فإننا نشاهد يومياً نساء يحملن أطفالاً رُضَّع لا ندري من أين أتين بهم. وهناك من يلتقيك في أكثر من شارع بنفس طريقة السؤال. ومجموعة كبيرة منهم يسألونك أن تقلهم معك إلى وجهة محددة وما إن تسمح لهم حتى يبدأ مسلسل آخر يثير الدهشة. > وسؤال أخير.. هل أثرت هذه الشريحة على سعر صرف النقد الأجنبي وبالتالي ارتفاع الأسعار؟! اسألوا الصرافات التي «تعلمها الوزيرة» عن حجم الأموال المحولة..