زهير السراج

قبضة الخائف!!


* يبدو ان النية لدى السلطة بمكوناتها الثلاثة (الحركة والحزب والحكومة) تتجه إلى التصعيد الشديد ضد الرأي الآخر، مع الضائقة الاقتصادية والمالية والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فمن ارتفاع وتيرة الهجوم اللفظي الشديد ضد المعارضين، وعودة مصادرة الصحف من المطابع، والتعامل بعنف شديد مع المظاهرات الطلابية، والإتجاه لتضمين عقوبات مشددة في قانون جرائم المعلوماتية ــحسب تهاني عبدالله وزيرة الاتصالاتــ لمواجهة ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أكده عبدالملك البرير نائب رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم بامتلاكهم لمجموعة من الوسائل والأدوات للتصدي لمعارضي الجهاز التنظيمي والتنفيذي في المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي!!
* ثم إنطلاق الدورات الحتمية التي تعقدها الحركة الاسلامية للتزكية والاعداد الروحي وتدريب العضوية على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها البلاد ــحسب عبدالله الأردب القيادي بالحركةــ وحشدها بالخطب الحماسية عن المجاهدات والتضحيات، وتصريحات وزير الداخلية عن وجود إتجاه لتطبيق حد السرقة (قطع اليد) ضد سارقي ومهربي السيارات بإقليم دارفور، وليس أخيراً قرار رئاسة الشرطة بإنشاء قوة شرطية جديدة لتأمين الجامعات بدلاً عن الحرس الجامعي، ولقد نص القرار ــحسب الفريق شرطة حقوقي بابكر سمرة مصطفى رئيس هيئة الشؤون الإدارية والتخطيط برئاسة الشرطةــ على إنشاء إدارة عامة مختصة لتأمين الجامعات، وفتح باب التجنيد لحملة الشهادتين الجامعية والسودانية وفق شروط ومطلوبات الخدمة في الشرطة!!
* كل هذا وغيره، مؤشر قوي على أن البلاد ستشهد في الفترة القادمة تضييقاً شديداً على الحريات، وعنفا مفرطا فى التعامل مع المعارضين والرأي الآخر، الأمر الذي سيزيد الأوضاع سوءاً ويفضي الى المزيد من التعقيدات في الأزمة السودانية، فالتضييق والعنف لم يكونا في يوم من الأيام الوسيلة الصحيحة للحل، بل عكس ذلك تماماً، فالعنف لا يولد إلا العنف، والتضييق على الحريات يؤدى للانتفاخ والانفجار، خاصة مع احتشاد النفوس بالكثير من الكراهية والبغض سواء في هذه الضفة أو تلك، ومن باب أولى أن تلجأ السلطة الى وسائل أخرى للتعامل مع الأزمة، خاصة مع الضائقة الاقتصادية والمالية والمعيشية الحادة في البلاد والتي لا تحتاج إلى معارضة أو رأى آخر أو إنترنت لتنفجر فى وجه الحكومة، فالأجواء مشحونة بكل مواد الانفجار ولم يبق إلا قدح الزناد الذي تمسك به الحكومة، فإما أن تشعله أو تلقى به فى قاع النهر !!
* التعاطف الدولي مع اتفاق خارطة الطريق الذي وقعته الحكومة مؤخراً مع الوسيط الإفريقي ثابو أمبيكي، كان يجب أن يدفعها نحو اتخاذ المزيد من القرارات والاجراءات التي تعزز مناخ الحريات والتصالح مع الآخرين، وليس العكس بممارسة المزيد من التضييق والقمع، الأمر الذي سيؤدي بدون شك، بناءاً على تجارب سابقة، الى انحسار التعاطف وضياع الفرصة الأخيرة للخروج من عنق الزجاجة الذى ظللنا قابعين فيه أكثر من ربع قرن من الزمان!!
* صحيح، أن الحكومة ظلت قابضة على الأوضاع طيلة تلك الفترة، ولكن بتحميل الوطن والشعب تضحيات جسيمة، أقلها ما نعايشه الآن من أوضاع مأساوية في السياسة والاقتصاد والتنمية وكل شئ، كما أن قبضتها على الأوضاع ظلت على الدوام قبضة الخائف الذي يبذل كل ما في وسعه ويهدر كل شئ ليحمى نفسه وسلطته، رغم أنه يعلم تمام العلم، أن لا خلود لأحد إلا الله، ولا ديمومة لسلطة، وإلا لما آلت إليه، فلماذا يُحمّل نفسه وبلده وشعبه كل هذا العبء؟!