رأي ومقالات

عائشة سلطان : المتلصصون على عقولنا


كثيرة هي المرات التي سمعت فيها عن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، استيائه من فكرة الرقابة على الفكر والأدب والثقافة، ودعوته للمعنيين بأمر النتاج الثقافي والإبداعي، أن يتسع أفقهم ويتجنبوا المنع والمصادرة، وفي أكثر من مرة، وصلته ما يشبه الملاحظات حول منع رواية أو كتاب، فأمر مباشرة برفع الحظر والعمل على الإسراع بالإفراج عنها، بأمثال هذا التوجه الحر والمستنير، ينتعش فضاء الأدب والثقافة الحقيقية، لأن بمثله، ظهرت مدن النهضة في إيطاليا في القرن الخامس عشر، لتضيء ليل أوروبا، ولتقود قاطرة التطور في العالم، إذن، فالإبداع حالة مجتمع تستلزم الحرية أولاً.

كانت الحرية، وستبقى على الدوام، سؤالاً مشكلاً ومؤرقاً للسلطة العربية بكل أطيافها (السياسية والدينية والمجتمعية، وفي هذه الأخيرة تحديداً، تكمن العلة)، فتقديم المجتمع كسلطة رقابة على المبدع، وعلى عملية إنتاج الإبداع، أمر في غاية الخطورة، لأن (المجتمع) لا يحيلنا إلى محددات واضحة، ولا إلى قوانين ولا إلى مشرعين وتشريعات، المجتمع مفهوم واسع جداً، يحوي مئات المؤسسات وملايين الأفراد المختلفين في كل شيء، فكيف يمكن الاعتداد بأحكامهم!

وبهذه المناسبة، فقد اخترت »حانوت صغير في رأسك«، عنواناً لأحد مقالاتي منذ عدة أيام، وحين وضعته على حساباتي في مواقع التواصل، ليصل لأكبر عدد من القراء، ماذا حصل؟، أحدهم تعوذ بالله من كلمة »حانوت«، فقد فسرها بأنها تعني الحانوتي حفار القبور، وآخر تبرع بتفسير »الحانوت«، على أنه محل بيع الخمور، وهذا حرام وغير جائز شرعاً، آخر اعتبر العنوان تقليداً لعناوين الكفار!، رابع قال إنه لم يفهم منه شيئاً، وهكذا، ما أريد التأكيد عليه هنا، أن الكاتب يجب دائماً أن يحتفظ بحقه في رفض أي تدخل يصادر رأيه ورؤيته وطريقة تعبيره عنهما، طالما لا يشكل ذلك أي تصادم مع الثوابت المتفق عليها، مع الإيمان بحق الجميع في إبداء الرأي، ولكن دون إصدار أحكام دينية وأخلاقية!

وبسبب تنامي تيارات التشدد والإرهاب الفكري في المنطقة العربية، فقد بدأ كثيرون بطرح الأسئلة على المجتمع: من بيده القرار ليحدد للناس المعايير والأسس والمحتوى الثقافي الذي يطلعون عليه: ماذا يقرؤون من الكتب؟ بماذا يملؤون أدمغتهم؟ ماذا يشاهدون في السينما؟ ماذا يتابعون على مواقع التواصل؟ ما القضايا التي يطرحونها للنقاش في ما بينهم، والمواضيع التي يكتبون فيها؟.

وهل نحتاج لمن يحدد لنا ذلك فعلاً، في زمن التدفق الحر للأخبار والصور والمعلومات والآراء، وسهولة الوصول لأكثر المواقع الإلكترونية حساسية وخطورة؟ وإن كان لا بد من ذلك لتحقيق المصلحة الفضلى للجميع، فمن يقوم بهذا الدور؟ أجهزة الدولة، المشرع؟ الجماعات المتشددة والمحافظة والمتزمتة؟ جماعات المصالح؟. انتبهوا، فنحن نتحدث عن مجتمع يتباهى بانفتاحه وتنوعه، وبشكل لا يمكن تصور حدود وحضور هذا التنوع!

البيان