عالمية

هل أوباما أسود حقيقي؟


في انتخابات عام 2008 صوت 95% من الأميركيين السود للمرشح الديمقراطي الصاعد باراك أوباما، وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2012 انخفضت النسبة قليلا لتصل إلى 93% من أصوات الناخبين السود، الذين دعموا الرئيس أوباما في الحصول على فترة رئاسية ثانية.

دعم كامل من الناخبين السود لأول رئيس من ذات العرق، حتى بات صعباً لأي مواطن أميركي أسود انتقاد سياساته بدون أن يتهم بالخيانة واحتقار الذات.

تهم الذات واحتقار الذات نفسها بدأت في الارتداد على الرئيس أوباما نفسه، الذي يواجه انتقادات من نخبة المجتمع الأسود الأميركي. الانتقادات تؤكد أن أوباما استفاد من السود في الوصول وتحقيق طموحه، ولكنه لم يفعل شيئاً من أجلهم.

هؤلاء المفكرون والكتاب قدموا كشف حساب للرئيس الأميركي، وطرحوا شكوكاً حول إذا ما كان أسود حقيقياً يهتم لمشاكلهم ويسعى لحلها، وليس خائفا ومترددا من ردات فعل البيض “المتفوقين عليه”، كما يرددون.

لم يقم أوباما بسن قوانين وتدشين مشاريع تساعد المجتمع الأسود في النهوض مثلما فعل أسلافه، مثل الرئيس إبراهام لينكون الذي قام بتحرير العبيد، وليندون جونسون الذي مرر قانون الحقوق المدنية.

كورنيل ويست المفكر والبرفسور الشهير في جامعة برنستون عبر مبكرا عن خيبته من أوباما، مؤكداً أن الرئيس الأميركي مهتم بما يدور في عالم الأثرياء في الوول ستريت والدرونز (طائرات بدون طيار) أكثر من اهتمامه بأميركا السوداء ووصف أوباما بجمهوري أبيض بوجه أسود.

هجوم آخر جديد شنه ايريك دايسون برفيسور علم الاجتماع في جامعة جورج تاون في كتاب جديد بعنوان “الرئاسة السوداء” أكد فيه أن الرئيس الذي ستنتهي ولايته بعد أشهر قليلة خان المجتمع الأسود، وعكس كل التوقعات التي قيل إن عهده سيمثل تحولا حقوقيا واجتماعيا يقلل من العنصرية ويرفع من المستوى الاقتصادي.

يجادل الكاتب بأنه على الرغم من الطابع الأسود لرئاسة باراك أوباما إلا أنها خاضعة بشكل كامل للتفوق الأبيض وقيدت بالتوقعات والمعايير التي سنتها الثقافة البيضاء خلال عقود طويلة.

وأشار الكاتب إلى أن الرئيس الأميركي الأبيض لندون جونسون خدم السود أكثر بكثير مما فعله أوباما ويتوقع أن هيلاري – إذا ما أصبحت رئيسة – ستفعل لهم أكثر مما فعله أول رئيس أسود.

أوباما يظهر التضامن مع المجتمع الأميركي الأسود ويشير إلى العدالة العرقية ولكن فقط في المناسبات ذات الطابع الاستعراضي، ولكنه لم يسن أي سياسات تساعده ليتقدم ويتخلص من العراقيل التي تخنقه.

واحدة من هذه القضايا كانت اعتقال أستاذ التاريخ البارز الأسود في جامعة هارفارد هنري لويس جيتس على يد رقيب شرطة أبيض، بعد أن رآه يحاول الدخول إلى منزله. أثارت هذه القضية ضجيجا وقام بعدها الرئيس باستضافة الرجلين، فيما سمي سخرية بـ”قمة البيرة” في محاولة منه للسيطرة على الأزمة قبل أن تتسع. وصف أوباما تصرف الشرطي بـ”الغبي”، ولكن لم تسن أي قوانين تحد من الاعتقال العشوائي للسود.

شخصية أوباما السوداء تظهر، كما يؤكد الكاتب، في التجمعات ذات الطابع الترفيهي وليس السياسي الجاد، مثل اللقاءات التي تجمعه بنجوم الإعلام والسينما كل عام، حيث يتحدث بارتياح وسخرية عن عرقه والمشاكل التي يعاني منه فقط لأنه لا تؤخذ على محمل الجد.

ويؤكد دايسون أن أوباما أظهر موقفاً معادياً للعنصرية في إطار واقعيته السياسية، وليس لاهتمامه العميق شخصيا بهذا الموضوع، ويضيف: “أوباما معاد للأيديولوجيات ولهذا السبب تحديدا تمت إعادة انتخابه”.

اتهم المؤلف ما وصفه بتردد وتأجيل أوباما العرقي لقضايا السود إلا إذا أجبر على ذلك، ويضيف: “غالبا ما يتحرك أوباما نتيجة لتظاهرات السود بسبب المعاملة السيئة من الشرطة. أوباما غير مفاجئ في تصرفاته. حذر المواطنين السود ونصحهم بالالتزام بالقانون وترسيخ الوضع السائد الذي يعانون منه. ولهذا كان وجود أول رئيس أسود مسألة رمزية، ولكن بدون فائدة حقيقية. أوباما بالكاد تحدث عن القضايا التي تسحق السود الأميركيين. نسبة البطالة المرتفعة، المعدلات العالية لوفيات الأطفال، غياب العدالة في التعليم، ومعاملة الشرطة الوحشية”.

ويشير دايسون إلى أن جزءاً من المشكلة يكمن في طريقة أوباما في التفكير. أوباما يفضل المشاريع الكبيرة، مثل الإصلاح الاقتصادي ونظام الرعاية الصحية على الخطط المحددة التي تستهدف شرائح محددة في المجتمع.

ولكن مثل هذه المشاريع العملاقة لم تفعل شيئا لمساعدة السود على العكس مما فعلت قوانين، مثل قانون الحقوق المدنية التي لم تنفع مجتمع السود وحدهم، ولكن الأقليات الاجتماعية الأخرى التي استفادت منه. أوباما يفكر، كما يقول الكاتب، بطريقة معكوسة وغير صحيحة. يعتقد أنه بمساعدة الجميع سيقوم بمساعدة السود ولكن الحقيقة أنه بمساعدة السود تحديدا وحلحلة الإشكالية العرقية سيجعل أميركا أقوى.

يؤكد المؤلف أن لأوباما شهوة قوية لتأنيب السود والتحدث إليهم بطريقة استعلائية بدلا من إحداث تغييرات في البنية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعرقل المجتمع الأسود. هذا التقريع مصدره خوف أوباما من خسارة أصوات البيض ولهذا هو يبالغ بتحميل السود المسؤولية حتى لا يفهم أن للمواطنين البيض الأميركيين دوراً في الأزمة. ويضيف: “أوباما نجح في إيجاد طريقة للحديث عن إشكالية العرق بدون إثارة غضب البيض، ولكنه لم يقلق أبدا من خسارة الناخب الأسود”.

العر بية نت