تحقيقات وتقارير

شبهة المحسوبية تطل بقوة منحة الرئيس للفقراء.. غول المحاباة يبتلع عدالة التوزيع


اتهامات بتوزيعها لأقارب المسؤولين بالأحياء ومنسوبي المؤتمر الوطني
مواطنون: رغم أن أننا نستحق الدعم الشهري ولكن تم تجاوزنا
رئيس اللجنة الاجتماعية بتشريعي الخرطوم: هذه الاتهامات غير صحيحة

كاد الستيني صالح أن يطير من الفرح عندما سمع عبر وسائل الإعلام بأن هناك دعما شهرياً يُقدم كمنحة لذوي الدخل المحدود. العم الذي صالح أنهكه التعب في سبيل كسب العيش، يعاني أيضاً من رهق دوري يتمثل في قيمة إيجار المنزل الذي يقطنه بأم بدة بأم درمان.

وما زاد الأمور سوءاً أن أسرته تتكون من سبعة أفراد، اثنان من البنين وخمس من البنات. لذا راهن العم صالح على المنحة الشهرية البالغة 150 جنيها التي تعطى للفقراء. وكان يثق تماماً في أنه يستحق الدعم نسبة لظروفه المعلومة لدى الجميع. ولكن لم تمض أيام حتى تبددت آماله وتحولت إلى سراب بعدما طرق أبواب اللجنة الشعبية واللجان الزكوية ولكن بلا جدوى، فهذا جعله مثل غيره، يعتقد أن الدعم المخصص للفقراء من قبل رئيس الجمهورية تشوب إجراءات توزيعه شائبة التجاوزات، وهذا ما دفعنا لفتح هذا الملف لأهميته.

أرقام صادمة
أولاً، لابد من الإشارة إلى أن البيانات والأرقام الرسمية تؤكد تزايد مضطرد في نسبة الفقر بين المواطنين بالسودان، فمنذ منتصف ديسمبر 2014، انتشرت المئات من فرق الجهاز المركزي للإحصاء في السودان من أجل إجراء أضخم عملية مسح لنسبة الفقر في البلاد التي باتت تعاني من ضائقة اقتصادية طاحنة.

وأظهر آخر مسح ميداني أن نسبة الفقر العام في السودان بلغت 46.5%، منها 26.5% من سكان المدن و57.5% من سكان الريف، فضلاً عن اختلاف ما بين الولايات، حيث كانت النسبة في ولاية شمال دارفور 69% كأعلى نسبة، وفي ولاية الخرطوم 26% كأدنى نسبة، ورغم التشكيك في هذه النسب والتأكيد على أن الفقر بحسب إحصاءات مستقلة قد تجاوز 80%، إلا أنه وفي كل الأحوال فإن النسبة الحكومية والمستقلة وغير الرسمية تؤكد بوضوح مدى حاجة قطاعات واسعة من المواطنين للدعم الاجتماعي، وهو ما قامت به السلطات بالفعل من خلال ما عرف بـ “منحة الرئيس”، بيد أن شكوكاً عديدة تُثار في هذا الأمر بحجة أنها لا تصل للمستحقين من المواطنين.

حلول إسعافية
بعد تفشي الفقر وتفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الضائقة المعيشية على المواطنين وعقب ارتفاع سعر الدولار إلى أرقام كبيرة مقابل الجنيه السوداني، فكرت رئاسة الجمهورية في إيجاد طريقة جديدة لمساعدة المواطنين المحتاجين لكى يستطيعوا تخفيف حدة الفقر، وهي ما عرف بمنحة الرئيس، وهي عبارة عن مبلغ 150 جنيهاً تدفع شهريا للفقراء عن طريق وزارة الضمان الاجتماعي. ولكن الشيء المؤسف أنه أوكل الأمر فيها إلى اللجان الشعبية مما أدى لظهور مشكلات في توزيع المنحة مع شكاوى بالتمييز في توزيعها وإبعاد آخرين يستحقونها، وذلك لأسباب مختلفة بعضها سياسي أو مجتمعي وغيره.

حسرة
في تعليقها على هذه القضية تشير الحاجة فاطمة التي تعمل بائعة شاي بسوق الكلاكلة، إلى أن الدعم الاجتماعي محصور على فئات محددة. بل إنها قالت والحزن يكسو وجهها (هم بدوا أهلهم) في إشارة منها إلى أعضاء اللجان الشعبية بالحي الذي تسكن فيه. وأضافت بأنها تقدمت لهذه اللجان عدة مرات، ولكنها لم تتحصل على شي، وقالت لم يصلني شيء من الدعم المذكور.

الحاجة فاطمة التي أجبرتها الحرب على النزوح من مدينتها الدلنج بجنوب كردفان، كانت تعمل في أحد البنوك وتعيش مع أسرتها في منزلها بشرق السوق بكل اطمئنان. ولكن صوت الرصاص وصواريخ الكاتيوشا جعلتها تترك عروس الجبال طلباً للأمن والاستقرار، فكانت هجرتها إلى الخرطوم لتعمل بائعة شاي بعدما كانت تعمل في البنك وتتقاضى مقابلاً مادياً يعينها على تحمل نفقات الحياة بعد زوجها الذي كان يعمل بالقوات المسلحة قبل أن يلحق به ابنها الاوسط الذي كان يعمل بالقوات المسلحه أيضاً، وقبل أن يستشهد ابنها الأكبر في هجليج عام 2012 والذي ترك لها زوجة وطفلين.

ولكن كل ذلك لم يشفع للحاجة فاطمة لتنال الدعم الاجتماعي. لذلك هي تعتمد على الله فى رزقها وبيع الشاي وتبدأ العمل منذ الرابعة صباحاً وحتى الثانية ظهراً حيث تأخد قسطاً من الراحة ثم تواصل العمل من الساعة الثانية ظهراً وحتى العاشرة ليلا، ثم تعود الى منزلها وبالرغم من معاناتها لم يصلها الاجتماعي.

رفض غير مبرر
الحاجة فاطمة لم تكن الوحيده التي تجاوزها الدعم الاجتماعي، فالأمثلة كثيرة منها المواطن عثمان الذي قال لـ(الصيحة) إنه يسكن بمنطقة الكلاكله القلعة منذ 40 عاماً ويعمل خياطاً، وكل طلب يقدمه إلى اللجان الشعبية يتم رفضه بلا تفسير مقنع، وأشار عثمان إلى أن بعض أفراد اللجان الشعبية يمنحون أهلهم فقط، ولم يعطوا المنحة للآخرين في إشارة لحالته وآخرين معه. وقال عثمان إنه يستحق الدعم الاجماعي لأنه يستأجر منزلا لسكن أسرته ودكاناً ليكسب منه رزق اليوم وأبناؤه تلاميذ بالمدراس وآخرون في الجامعات، وأضاف: عندما سألتهم عن السبب قالوا لي بأنك تعمل بيدك، ويمكن أن تكسب وقالوا له بأن صاحب الدكان الذي تستأجر منه يستحق أكثر منك، وفي الوقت الذي فيه أناس لديهم منازل ملك وبعضهم لديه أربعة وخمسة عقارات يؤجرها ويتكسب منها يتم منحه الدعم الاجتماعي، اما نحن حتى البطاقة العلاجية رفضوا منحها لنا بالرغم من مرض زوجتي التي تحتاج لعلاج مستمر بسبب داء السكر.

تعدد الوعود
من ناحيتها قالت محاسن التي تعمل بائعة أطعمة بسوق مايو إنها لم تستلم الدعم الاجتماعي بالرغم من أن الرئيس وجه بأن يصل الدعم لكافة المواطنين المستحقين بدون تمييز حزبي أو مجتمعي، وأضافت: ولكن عندما نتقدم بطلبات إلى اللجان الشعبية يتم وعدنا خيراً وبعدها لا يصلنا اي دعم، وأضافت بأنها تستحق الدعم لأنها تسكن بالإيجار وتعمل في السوق ولديها طلاب بالجامعات وآخرون في المدارس يحتاجون للدعم. وقالت كل مره يتم تسجيلنا وفي نهاية المطاف يقولون لي اسمك سقط، فلذلك أريد أعرف سبب سقوط اسمي كل مرة من الدعم الاجتماعي.

تطابق الرؤى
وفي ذات الاتجاه ذهبت بخيتة التي تعمل بائعة شاي وقالت لـ(الصيحه) إنها لم تتلق أي دعم من اللجنة الشعبية بالحي الذي تقطنه بالرغم من أن لديها أطفال وطلاب في الجامعات. وأضافت: حتى اليوم لم أستلم دعم الرئيس مع أنني أسكن بالإيجار ولم يصلني شىيء حتى كيس الصائم الذي يوزع للفقراء والمساكين في شهر رمضان وعندما نذهب إلى اللجان الشعبية يقولون لي اسمك سقط. وتساءلت بخيته لماذا يسقط اسمها من دون الناس وفي كل مرة وبدون توضيح السبب.

نسمع بها سمع
وقريباً من كل تلك الروايات، جاء حديث جاد المولى الذي أكد أنه يسكن منذ فتره طويلة في جبل أولياء بمعية أسرة كبيرة قوامها عدد من الأطفال وطلاب المدارس والجامعات. وقال لـ(الصيحة): حتى هذه اللحظة لم يصلني أي دعم، وابني مريض يعاني من أمراض مزمنة منذ 12 عاما، وحتى البطاقة العلاجية لم تمنح له، وبالرغم من تكاليف العلاج الباهظة أعتمد على نفسي في كل شيء، ومنحة الرئيس نحن نسمع بها فقط.

تمييز ومحسوبية
ونحن نتقصى حول منحة الرئيس التي كثيراً ما تذهب إلى غير مستحقيها، سألنا أحد المواطنين ممن تبدو عليهم سمات الفقر بغير تمحيص، فأشاح بوجهه عنا، بيد أنه عاد وقال لنا، بعدما اشترط علينا حجب هويته “الناس ديل بدو ناسم بس.. ما تسعوا الكضب ده”. في إشارة منه إلى ان منحة الرئيس تُعطى لمنتسبي المؤتمر الوطني فقط. حاولنا أن نتبادل معه الحديث، فغاص في زحام الفقراء.

نفي التهم
قصة الحاجة فاطمة التي تعمل بائعة شاي بسوق الكلاكلة، أوجبت علينا أن نتحدث إلى منسق اللجان الشعبية بالكلاكلة شمال، الزبير سعيد عبد الحليم، الذي نفى أن تكون اللجان الشعبية لها أي دور في عملية توزيع الدعم الاجتماعي وكشف لـ(الصيحة) أن اللجان الشعبية ليست لها علاقة بالدعم الإجتماعي وهو تابع إلى اللجان القاعدية الزكوية حيث تقوم بمسح على المواطنين من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل والمطلقات والأسر المتعففة والضعيفة وتقوم بتسجيلهم في الدعم الاجتماعي، وقال: إن اللجان الشعبية أو اللجان الزكوية لا تمنح مواطناً وترفض لآخر أو تسحب اسم شخص، وأضاف: هذا كلام غير صحيح ولكن هناك بعض الأسماء قد تتبدل مثلاً أن يكون الشخص يسكن مربع واحد واسمه يظهر في مربع اثنين، وهكذا”.

رأي الزكاة
الإفادة التي أدلى بها منسق اللجان الشعبية بالكلاكة شمال، الزبير سعيد عبد الحليم، أشارت بلا مواربة إلى أن مسؤولية توزيع المنحة تقع في دائرة عمل اللجان الزكوية، وهو ما جعلنا نذهب إلى مسؤول الزكاة بالكلاكلة القلعة وسط مدثر المكي الذي قال لـ(الصيحة) انه استلم مهمة الزكاة نهاية العام ولم يكن يوجد تسجيل جديد في ذلك الوقت، وأضاف: كل عام تأتي كمية من الاستمارات واللجنة الشعبية تعمل على ملئها بعدما تتأكد من الشخص المحتاج للدعم، وأنا استلمت من المسؤول السابق الذي سافر خارج السودان، لذلك لم أسجل استمارة جديدة ولا بطاقة دعم جديدة وفي العام 2016 سلمت الاستمارات والختم لمدير الزكاة، وأضاف مدثر أن الاستمارات التي تخص الدعم تأتي للجنة وتتكون من رئيس اللجنة الشعبية والمقرر وعدد من الأعضاء وبعد دراسة الحالات يتم الاختيار، لافتاً الى أنه كان يقوم بتوزيع الزكاة، وأضاف: في بعض المرات تواجهنا إشكالات فمثلاً في شهر رمضان الماضي كان عدد المستحقين 80 شخصاً وعدد كراتين رمضان 50 كرتونة، ولكن قمنا بالتنسيق مع كفالة الأيتام وجمعية خيرية أخرى واجتمعنا ووزعنا الكراتين بينهما حتى لا يكون هناك شخص محتاج في الحي.

تجاوزات
لم يستبعد قيادي في المؤتمر الوطني ورئيس لجان شعبية سابق (فضل حجب اسمه) وجود تجاوزات في الدعم الاجتماعي في بعض الأحياء في وقت أكد فيه عدم وقوع أي تجاوزات في اللجنة التي كان يرأسها وقال القيادي في تصريح لـ(الصيحة) إن الدعم ينقسم الى دعم اجتماعي ودعم زكاة، ولكن الدعم الاجتماعي خاص للذين هم خارج منحة الرئيس من ذوي الدخل المحدود والأيتام والأرامل والمطلقات، وهو عبارة عن مبلغ 150 جنيهاً تدفع شهرياً ويتم الدعم عبر تحديد المستحقين وعددهم 25 مواطناً من كل حي وذلك من خلال لجنة خصصت لهذا الغرض وتتكون من 7 أفراد وتشمل رئيس اللجنة الشعبية بالحي والشباب والطلاب والمرأة وإمام المسجد بالحي المعني وبعد أن تؤدي اللجنة القسم تقوم بالمسح الشامل من خلال زيارة ميدانيه للمواطنين ثم تحدد المستحقين وأضاف: أما دعم الزكاة فهو يذهب للذين لديهم مشاكل مثل رسوم الدراسة أو عجز في الإيجار أو غيره ويقدم له عن طريق اللجنة الشعبية ويملأ المواطن الاستمارة ويتم ختمها واعتمادها من اللجان الشعبية ثم يذهب بها المواطن إلى ديوان الزكاة الذي يقوم بالتصديق للشخص المحتاج .

اللجنة مراقبة
من ناحيته نفى رئيس رئيس اللجنة الاجتماعية بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم، عصام ماهر وجود أي محسوبية في توزيع الدعم الاجتماعي وقال لـ(الصيحة) ان الدعم الاجتماعي تقوم به اللجنة الزكوية وهي الآلية الفنية لعمل ديوان الزكاة في الأحياء وتتكون من رئيس اللجنة الشعبية بالحي المعني والشباب والطلاب والمرأة وإمام المسجد وتقوم بالطواف على المحتاجين من خلال زيارة ميدانية وتحدد المستحقين ثم تقوم بملء الاستمارات لهم وتقدمها إلى ديوان الزكاة، وقال ماهر إنه كنائب دائرة يقوم بالإشراف على هذه الآلية ويقوم المراجع العام بمراجعتها ثم تقدم لديوان الزكاة وفي إحدى المرات تم شطب بعض أسماء المعاشيين والموظفين وردت ضمن المستحقين لأنهم يتلقون الدعم عن طريق الجهات التي يتنمون إليها فلذلك لا توجد أي محسوبية في الدعم الاجتماعي.

نفي رسمي
وبدورها نفت وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي وجودت لاعب أو محاباة في توزيع المنحة والدعم الاجتماعي، وقال مصدر بالوزارة ـ فضل حجب اسمه ـ في حديثه لـ(الصيحة) أن الوزارة ليس لها علم بما يشاع عن المحسوبية في موضوع الدعم الاجتماعي وأكد أن للوزاره لجنة عليا بكل الولايات تقوم بأمر الدعم الاجتماعي والزكاة.

تحقيق: آدم القديل
صحيفة الصيحة