عبد الباقي الظافر

شكرًا مولانا رئيس القضاء..!!


قبل نحو عام كنت أزور الأستاذ إبراهيم السنوسي بداره العامرة بشرق الخرطوم .. من بين ثنايا الأنس قفز اسم مولانا القاضي حيدر أحمد دفع الله .. قدم السنوسي شهادة عظيمة بحق الرجل .. ظننت تلك الإشادة ذات خصوصية .. ولكن قبل أيام هاتفت الأستاذ ساطع الحاج المحامي مستفسرًا عن مسالة قانونية .. ذات الإشادة في حق رئيس القضاء جاءت من المعارض الأبلغ .. استدعيت من الذاكرة مشهد رايته بأم عيني قبل أشهر .. في مراسم عقد قران كريمة رئيس القضاء بمسجد الشهيد، كان الأمر مختلفاً .. حشود من الناس سدت الطرقات.. رجال من مختلف المشارب السياسية والفكرية .. كل هؤلاء جمعهم تقديرهم لمولانا الذي يجلس على كرسي العدل.
قبل أيام كتبت عن قضية طرفها وزارة الداخلية صدر فيها حكم من دائرة المراجعة بالمحكمة العليا .. لا أريد أن أعيد السرد، ولكن توقعت تعقيباً من وزارة الداخلية بإعتبار أن الكرة في ملعبها.. السيد رئيس القضاء إطلع على المقال ووجه مكتبه بارسال خطاب يفيد أولاً: باهتمام القضائية بما ينشر..ثم الأهم من ذلك أن القضية مازالت في طور التقاضي، وأن ممثل وزارة الداخلية مثل أمام المحكمة.. وكان التوضيح بلغة دبلوماسية يلفت نظرنا لضرورة التريث، ما دام الملف على منضدة القضاء ..ها نحن نمتثل للقانون وننتظر مع المنتظرين قرار المحكمة.
حتى هذه اللحظة لم أجد منطقاً لالتزام المؤسسات الحكومية الصمت تجاه ما يثار في الصحافة .. سياسة (أضان الحامل ) هى السائدة في التعامل مع السلطة الرابعة.. بل في أحيان كثيرة يجد المسؤول الذي تهاجمه الصحافة رعاية حكومية خاصة.. الحكومة تعتقد أن الإذعان لسلطة الراي العام هو تقليل من مقام الدولة الباطشة.. بل في كثير من الأحيان تفضل الحكومة الصمت رغم أهمية القضايا وضرورة إطلاع الرأي العام على تفاصيلها.. قبل أيام حاولت إقناع مسؤولي الكهرباء بالظهور في برنامج الميدان الشرقي الذي أقدمه بقناة أم درمان ..اعتذروا رغم أنه لا صوت يعلو على الكهرباء هذه الأيام.. سياسة الاختباء خلف اللسان باتت استراتيجية مفضلة لمعظم وزراء بلادي إلا من رحم ربي.. كلهم يؤمنون بالمثل الشعبي (لسانك حصانك ) .
حتى عندما تفكر وزارة الاعلام في تعليم الوزراء البيان عبر المؤتمر الصحفي الذي يعقد كل يوم أربعاء تاتي النتيجة مخيبة للتوقعات..فكرة المؤتمر تضيع وتتنازع بين كونها مؤتمر صحفي أم تنوير سياسي.. تمتليء قاعة الوزارة الضيقة بأرتال من الصحفيين..الذي يدير اللقاء يصبح مثل البائع في سوق (الملجة).. يشير إلى الزملاء ( القاعد في الصف الأخير).. أو (الشاب اللابس قميص أخضر ) ..ينتهي (المايك ) مع صاحب الحظ السعيد أو الساعد القوي.. من يرسي عليه (المايك ) يتحدث على الهواء بما يشتهي.
في تقديري ..تجربة الهيئة القضائية في التعامل مع الإعلام جديرة بالاغتداء.. ليس هنالك ثرثرة إعلامية ولا طلة زائدة، وفي ذات الوقت ليس هنالك ترفع على الإعلام.. تعامل باحترام وكلمات محدودة تفي بالغرض..هذا التعامل الراقي من القضائية لمسته غير مرة ومع وسائل إعلام مختلفة.. أحيانا يستخدمون الهاتف لتوضيح مسالة بها بعض الغموض.. حين يصل الأمر للمخاطبة الرسمية فهذا يعني أن الأمر مهم للغاية.
بصراحة..تمليك الراي العام كل الحقائق ليس منحة حكومية ..الحكومة في كل مكان تعبر عن عموم الناس.. كلما كانت قنوات التواصل سالكة بين الحاكم والمواطن يعتبر ذلك من مظاهر الحكم الراشد.