الطاهر ساتي

المادة ( 25)


:: ما كان يجب أن يكون هناك خلافاً بين الجهازين التنفيذي و التشريعي حول المادة ( 25) من قانون مفوضية مكافحة الفساد، وهي المادة التي تلغي العائق المسمى بالحصانة حين يخضع أحد المسؤولين للتحقيق .. (على الرغم من أي نص قانون آخر لا يتمتع أي شخص بأي حصانة في أي إجراءات تحقيق تتخذ بواسطة المفوضية)، نص المادة التي هم فيها يختلفون، فالرئاسة تسعى للحصانة والبرلمان يرفض الحصانة ..لا حصانة في قضايا الفساد، وعلى البرلمان أن يكون أكثر حرصاً على نص هذه المادة .. وكما نسمع ونشاهد ونقرأ، ليس بمدهش في الدول ذات النهج السياسي الرشيد أن يطرق الشرطي باب مكتب رئيس الوزراء بغرض التحرى حول قضية فساد..فالتحري لغرض الوصول إلى النتائج أهم وأقوى من الحصانة ..!!
:: وكذلك ليس بمدهش في الدول ذات النهج السياسي الراشد أن يستدعي ضابط برتبة ملازم وزيرا كان أو وكيلا إلي مكتبه فى أية لحظة بغرض التحقيق والتحري حول ملف فساد..هكذا آليات المساءلة والمحاسبة فى تلك الدول التي يحكمها الأقوياء الأمناء، بغض النظر عن عقائهم وأعراقهم وأفكارهم..وتلك آليات وقوانين مركزية، وتابعة لأعلى سلطة سيادية فى بلادها، ولذلك يقدل الشرطي ملكا في دك دهاليز الفساد ومبعثرا أوكاره بلاتوجس أو قيود، بحيث يضرب كل فاسد و مفسد بيد من القانون الذي يستمد سلطته من أعلى سلطة رقابية في بلده.. !!
:: ولكن هنا، مجرد مساءلة مدير شركة حكومية عن تلكؤه فى تقديم حسابات شركته للمراجعة تستدعي تدخل البرلمان وعقد اجتماعات ومؤتمرات وإنبثاق لجان.. كل ( قومة النفس ) هذه فقط لمساءلة مدير شركة حكومية عن عدم تقديم حسابات شركته للمراجع العام .. ولاندري ماذا كان سيحدث لو كان المطلوب مساءلته رئيسا أونائبا أومستشارا أو وزيرا أو حتى وكيلا بوزارة غير ذات نفع..؟..ربما استدعى الأمر إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الكباري ورفع درجة الاستعداد فى الجيش وإستنفار الدعم السريع ..!!
:: فالحصانة كانت، ولاتزال، أكبر عائق لتنفيذ العدالة في بعض هذا العالم الثالث والأخير..ورفع جبل إلى ثريا أهون من رفع الحصانة عن مسؤول في عالمنا الثالث والأخير.. ولذلك، عندما يقول البعض ( يجب أن نبقي على الحصانات)، فهذا يعني ( كأنك يا أبوزيد ما غزيت).. فالمتهم في قضايا المال العام دائماً ما يكون أحد المتدثرين بالحصانة، وليس المواطن .. ولذلك، يجب أن يتساوى الجميع – الحاكم و المحكوم – أمام قانون المفوضية و سلطات نياباتها وشرطتها ومحاكمها .. وليس من العدل تحصين المسؤول أمام قانون المفوضية بأي نوع من أنواع الحصانة وتجريد المواطن من ذات الحصانة.. ( نتحصن كلنا)، أو نتساوى جميعاً أمام القانون المرتقب..!!
:: وللأسف، سمعة السودان غير طيبة في قوائم الشفافية الدولية.. ودائما ما يتذيل السودان القوائم مع العراق و اليمن والصومال وغيرها من الدول التي تحكمها (جماعات مسلحة)، وليست حكومة ذات أجهزة تشريعية وتنفيذية وأخرى نيابية وقضائية ..ولو كنا نعيش في بلاد غير بلادنا هذه، ولا نشتم الروائح على مدار العام، لكذبنا معايير تلك المنظمة ولإتهمناها بإستهداف السودان، أوهكذا يجتهد البعض في (المكابرة)، ثم تغطية الحقائق وروائحها بمناديل الورق المثقوبة.. فالجهاز المركزي لمكافحة الفساد، مفوضية كانت أو هيئة، حين يتكئ على قانون لا يعترف بالحصانات، يصبح من الأليات التي تحقق نجاحا ملحوظا .. وإليكم إثيوبيا نموذجاً يمضي نحو الأفضل بالإرادة السياسية ثم قوة القانون ..!!