تحقيقات وتقارير

زيادة الأجور… حلم صعب المنال


تمثل فروقات الأجور بين قطاعات المجتمع ومؤسساته العاملة مشكلة تؤرق العاملين، وتتفاقم المشكلة يوماً بعد يوم مع التغيرات المتسارعة في الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات التضخم ، فأصبح الحديث عن زيادة الأجور مضمار تصريحات المسؤولين، فكانت أبرزها المعركة التي دارت بين وزير المالية ورئيس اتحاد العمال السابق بروفسير إبراهيم غندور قبيل تعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية ، الأمر الذي دعا الدولة لإيجاد حلول إسعافية لمواجهة التغييرات الاقتصادية بإضافة مايعرف بـ(منحة الرئيس)، واعتبر عمال تصريحات رئيس اتحاد العمال بزيادة الحد الأدنى للأجور بالحلم.

تضليل العمال:
اتحاد العمال هو العدو الأول لنا ودائماً ما يعمل ضد مصالحنا بمشاركته في وضع السياسات الاقتصادية، بهذه العبارة ابتدر العامل بالقطاع العام أسعد حبيب الله واتهم الاتحاد بممارسة الخداع على العاملين من خلال الوعود والأحلام الوردية يبعث بها للعاملين و يستحيل تطبيقها، في وقت يعجز عن إيقاف الخصخصة ويرضى بتشريد العمال وإحالتهم للصالح العام وفق أهواء شخصية، والقصد من الحديث تضليل العمال حتى لا يتحول الأمر لاحتجاج وإضراب وأن الحكومة عمدت لإضعاف النقابات وفرضت منسوبيها على قيادتها فأصبحت لاتهتم بمسألة الأجور.

امتصاص الزيادة:
وبلهجة بائسة قال أحمد يوسف الموظف بأحد الوزارات ما نتقاضاه لا يتعدى سعر الغاز وإيجار المنزل، وحتى في حالة في حالة زيادة الأجور فإن السوق جاهز لامتصاص أي زيادة ، ويظل الحال على ما هو عليه.
اما المعلم علي العوض فحمل مسؤولية تدهور التعاونيات للدولة وأضاف أنها كانت المنفذ الوحيد للعمال، وإلغاؤها أثر على غالبية العمال خاصة ذوي الدخل المحدود، حيث فشلوا في توفير أساسيات الحياة من صحة وغذاء وغيره.
بينما تقول الموظفة نهي خالد إن تدني الأجور من المشاكل التي تؤرق مضجع المواطن حيث لايكاد الدخل يغطي المنصرفات، ليصبح المواطن في مرارة الخروج عن دائرة الإيفاء بالتزامات، وطالبت المسؤولين بالنزول إلى الأسواق لمعرفة ما يعانيه المواطن.

رؤية مختلفة:
النقابي محمد علي خوجلي قال الحكومة تقر بضعف الأجور والنقابات تبحث عن تبريرات لها ودائماً تتنازل عن حقوقها بحجج لا علاقة للعمال بها مثل ما حدث في العام 2005م باعتبار أن الدولة لديها اتفاقيات والتزامات، وهذه من وجهة نظر خوجلي تعد ممارسات سالبة للنقابات التي تقر بأن الأجور تغطي 20% فقط من احتياجات العاملين ، وأضاف خوجلي هناك سؤال يحتاج لإجابة وهي الكيفية التي يتم بها تغطية عجز الأجور؟ ووصف مايحدث بسياسة صرف نظر المواطنين وشغلهم عن المطالبة بحقوقهم، وهي دفهم للعمل في أكثر من وظيفة خلال اليوم.

مصالح شخصية:
ويمضي خوجلي قائلاً حديث النقابات عن الأجور لا يتعدى ألسنتها والغرض منه الحفاظ على موقعها وحتى الآن لا يوجد إضراب حقيقي ولو دقيقة من أجل حقوق العمال، والإضرابات التي تنفذ دائماً تتفذها جهات للضغط من أجل حقوقها وليست نقابات رسمية، وأضاف أن استقلالية النقابات وتجردها من الانتماءات الحزبية والأجندة السياسية من أهم المطلوبات وتحول دون تضرر العامل، كما أن جهل العمال أنفسهم بالقانون يساهم في هضم حقوقهم، وأرجع خوجلي سلبية المطالبة رغم الإقرار بضعف الأجور الى وجود استثناءات من القرارات العمالية ووضع شروط خدمة خاصة لعدد من الجهات، وكشف عن تحايل بعض الجهات بصرف رواتب العاملين باكثر من كشف من حوافز ومكافأت، بجانب صرف اخرين من مستشارين وخبراء خارج اطار هيكل الدولة، وهذا يوضح عدم المساواة والعدالة في الأجور.

غياب القيادات:
ويرى خوجلي أن العمال يحتاجون لقيادات حقيقية تطالب بحقوقهم، وإذا لم يجدونها ستظل الأوضاع كما هي دون زيادة، ولن تقف النقابات مع منسوبيها، فهي تقف متفرجه على ما يحدث لهم، وطالب بتوحيد كشف الأجور وإبعاد السياسة والانتماءات عن النقابات.

اتهام الدولة:
الخبير الاقتصادي كمال كرار اتهم الدولة بعدم الاهتمام بالأجور وقال إن زيادتها ليس من الأوليات والحديث عنها لايأتي إلا في حالة وجود إضرابات واحتجاجات وسط العمال وإذا كانت هناك زيادات فهي طفيفة وتعود في شكل منح، بعيداً عن الأجرالأساسي، وأرجع الأسباب إلى تركيز الصرف الحكومي على قطاع للامن والدفاع، وأضاف كرار أن الغلاء المتصاعد يتسبب في عدم تغطية الاجور للاحتياجات الضرورية، وبالطبع له اثاراقتصادية سالبة منها ازدياد حالات الفقر حيث يقبع العديد من السكان تحت خطه، كما يضعف الطلب الكلي مما يقود لانهيار وكساد بالانتاج المحلي، ليعمق الازمة الاقتصادية، ولا ننسى بان اهمال موضوع زيادة الاجور يفقدنا الايدي العاملة ويشجع على الهجرة، والتوجه للاعمال الهامشية، ليحدث فجوة كبيرة بين العرض والطلب، ويدعو لاستجلاب عمالة اجنبية لشغل بعض الوظائف وكل هذا مظاهر سالبة في الاقتصاد، ورسم كرار صورة قاتمة لمستقبل العمال بعدم وجود حلول ومعالجات في الوقت الراهن، باعتبار أن مستوى الأجور أقل من الاسعار، في وقت لم تتأثر فيه الفئة التي تحصل على رواتب عالية وامتيازات.

الحوجة لسياسات:
أمين علاقات العمل باتحاد العمال بولاية الخرطوم السابق آدم فضل رئيس طالب اتحاد نقابات عمال السودان بضرورة شرح وتوضيح الآلية الاقتصادية التي تمكن من رفع الحد الأدنى للأجور الى 3 آلاف جنيه، ورهن زيادتها برفع الإنتاج والإنتاجية والحراك الاقتصادي، وأشار لحديث وزير المالية في العام 2010م عن عدم وجود موارد، ويرى ادم ان الزيادة لاتتحقق بالتمني او الاحلام وطالب بوضع سياسات واضحة ومواقيت محددة.

حلول ومعالجات
أي زيادات تطرأ في رواتب العاملين في القطاع الحكومي تقابلها أخرى في القطاع الخاص، بهذه العبارة بدأ أمين علاقات العمل بالاتحاد العام لنقابات عمال السودان خيري النور حديثه للصحيفة, وكشف خيري عن اتفاق ثلاثي بين الحكومة واتحاد أصحاب العمل واتحاد العمال وبموجبه يتم الدخول في مفاوضات لمناقشة الاشكاليات وزيادة الاجور، وفيما يتعلق بالاجور ، وفند خيري الحديث عن تنازل الاتحاد عن حقوق العاملين على حساب الدولة وقال هذا حديث غير صحيح فالاوضاع مرتبطة بموازنة فتكون المطالبة بالمتاح ، واقر بوجود بدلات اكبر في بعض القطاعات, وقال الاتحاد يسعى لحلها ومعالجتها، واماط خيري اللثام عن حزمة بشريات, حيث قال ان وزارة المالية وافقت على منحة العيدين بصرف راتب شهرين في عيد الأضحى وعيد الفطر وما تبقى التنفيذ فقط، ، بجانب مساعي الاتحاد لمساواة العلاوات والبدلات في المواقع غير المنفذ بها، وعن اتهام النقابات بالحزبية والانتماءات السياسية, يقول خيري إن الانتخابات تتم وفق اللوائح المعلومة بها ويحق للعمال الترشح والتصويت، وقانون النقابات كفل حق الاضراب ولكن بشرط وجود مبرر له، والآن الحركة النقابية تجاوزته، كما نسعى مع الجهات ذات الصلة لمعالجة مسالب العمل عبر قانون جديد ينتظر الإجازة.

حالة كفاف:
وبالمقابل أشار الأمين العام للمجلس الأعلى للأجور عماد محمد إلى صعوبة رفع الحد الأدنى للأجور لـ(3) آلاف جنيه في العام 2019م وفقاً للمعطيات والمؤشرات الحالية ورهن الزيادة بتحسن الوضع الاقتصادي، حيث هدفت الإستراتيجية ربع القرنية لتحسين الأجور لحد الكفاية والرفاهية في العام 2031م بما يعادل(618،3) وهو متوسط الإنفاق الأسري، وقال إن الدولة في حالة الكفاف وليس الكفاية، ويسهم الاجر بحوالي (12%) فقط من المنصرفات، وذلك لتسارع ارتفاع الاسعار بالاضافة لارتفاع معدلات التضخم التي تؤثر في اي زيادة، وكشف الامين العام عن تشوه في جدول الاجور في العام الماضي، واضاف ان مسألة تحسين الاجور مستمرة وفق دراسات علمية حسب معلومات الجهاز المركزي للإحصاء بواسطة لجنة مختصة من داخل المجلس ترفع توصياتها لمجلس لوزراء.

مجرد أحلام:
بدأ مدير الشؤون المالية والإدارية بالمركز القومي للإحصاء حسين حسن متحفظاً بعض الشيء، وقال إن معدل إنفاق الأسرة المكونة من خمسة أفراد يبلغ 3 الف جنيه، ولا يكفل المعدل العيش بكرامة، كما لا يحقق رغبات الأفراد، حيث يحتاج الحد الأدنى للأجور إلى زيادة ثماني مرات ليغطي المنصرفات، وقياس الحد الأدنى يتم بعد تصنيف الاستهلاك من صحة وتعليم وسلع أساسية، ومن ثم نقوم بتجميع الفئات ونقسمها على عدد السكان والمعلوم أن أنماط الاستهلاك تتغير وتختلف أنواعها في فصول العام المعروفة، ودعا لتدارك الأخطاء ووضع سياسات يتعارف عليها الناس وأضاف أن تلك التصريحات الخاصة بزيادة الأجور مجرد أحلام ولا تستند على طريقة علمية.

تحقيق :زكية الترابي
صحيفة آخر لحظة