رأي ومقالات

مسألة ملكية كنز البحر الأحمر (2)


1- الاتفاق السعودي – السوداني بشأن الإستغلال المشترك لثروات قاع البحر الأحمر: 16 مايو 1974
بدأت في 11 يوليو 1973 في مدينة جدة مباحثات تمهيدية بين السودان والسعودية لتعيين حدود الجرف القاري بين البلدين والنظر في مسألة التعاون المشترك لاستغلال ثروات قاع البحر الأحمر. انتهت هذه المباحثات بالتوقيع في 20 يوليو 1973 بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجودة في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر. تم التوقيع النهائي على الاتفاق في الخرطوم في 16 مايو 1974 وأصبح نافذ المفعول بعد تبادل وثائق التصديق.
قسم الاتفاق قاع البحر الأحمر بين السودان والسعودية إلى ثلاث مناطق. المنطقة الأولى تمتد شرقاً في البحر الأحمر محاذية للساحل السوداني من شماله إلى جنوبه إلى عمق ألف متر من سطح البحر. وقد أقرت السعودية في المادة الثالثة للسودان بحقوق ســيادة خالصــة في هــذه المنطقــة وبأنها لا تدعي بأي حقوق فيها. وتمتد المنطقة الثانية غرباً في البحر الأحمر محاذية للساحل السعودي من شماله إلى جنوبه إلى عمق ألف متر من سطح البحر. وبالمقابل أقر السودان في المادة الرابعة للسعودية بحقوق سيادة خالصة في هذه المنطقة وبأنه لا يدعي بأي حقوق فيها.
أما المنطقة الثالثة وأَطلق عليها اسم المنطقة المشتركة فتقع بين المنطقتين الأولى والثانية. وقد أقرت الحكومتان في المادة الخامسة بأن لكل منهما حقوقاً متساوية في كل ما يوجد بهذه المنطقة من ثروات طبيعية وأن هذه الحقوق هي حقوق سيادة خالصة لهما دون غيرهما على ألا يدخل في المنطقة المشتركة أي جزء من البحر الإقليمي لأي من الحكومتين. والتزمت الحكومتان في المادة السادسة بحماية هذه الحقوق والدفاع عنها ضد أي طرف ثالث.

PNG – 102.8 كيلوبايت

2- إنشاء هيئة سودانية – سعودية مشتركة
لضمان سرعة وحسن استغلال ثروات المنطقة المشتركة اتفقت الحكومتان في المادة السابعة على إنشاء هيئة مشتركة يكون مقرها الرسمي مدينة جدة (المادة الحادية عشرة). وتعهدت حكومة المملكة في المادة الثانية عشرة بتوفير المال اللازم للهئية المشتركة لتمكينها من أداء المهام المناطة بها على أكمل وجه، على أن تسترد ذلك من عائد إنتاج المنطقة المشتركة وبطريقة تتفق عليها الحكومتان.
بموجب المادة السابعة من الاتفاق أنيط بالهيئة -ضمن مهام أخرى- الآتي:
أ‌- مسح وتحديد وتخطيط حدود المنطقة المشتركة.
ب- القيام بالدراسة الخاصة بكشف واستغلال الثروة الطبيعية الموجودة في قاع البحر الأحمر بالمنطقة المشتركة.
ج- السعي لتشجيع المؤسسات المتخصصة للقيام بعمليات كشف الثروة الطبيعية في المنطقة المشتركة.
د- النظر في طلبات منح رخص الكشف والتنقيب أو عقود الاستغلال والبت فيها على ضوء الشروط التي تحددها الهيئة المشتركة.
هـ- إتخاذ الخطوات اللازمة للإسراع باستغلال الثروة الطبيعية الموجودة في قاع البحر الأحمر بالمنطقة.
و- تنظيم الاشراف على استغلال الثروة الطبيعية في مرحلة الانتاج.
ووفقاً للمادة التاسعة من الاتفاق فإن الهيئة المشتركة تتكون من عدد متساو من ممثلي الحكومتين ويكون على رأس كل جانب الوزير المختص.
تناولت المادة الثالثة عشرة اتفاق التنقيب المبرم في 15 مايو 1973 بين شركة المعادن السودانية وشركة بروساق الألمانية والتزامات حكومة السودان القانونية بموجبه، ونصت على أن تبت الهيئة المشتركة في هذا الأمر بما يحفظ حقوق السودان ويكون ذلك في إطار النظام المقرر بشأن المنطقة المشتركة.
واجهت الهيئة المشتركة عندما بدأت ممارسة مهامها في عام 1975 عدة تحديات. وكانت من تلك التحديات استحداث تقنية كاملة لرفع الترسبات المعدنية من أعماق تصل في بعض الحالات إلى عمق 2200 متر من سطح البحر دون أن يترتب على ذلك حدوث أضرار بالثروات الحية أو الإخلال بالتوازن الايكولوجي للبيئة البحرية أو إفساد لبيئة البحر الأحمر.
اشتملت خطة الهيئة في سنوات عمرها الأولى على اجراء دراسات جدوى فنية واقتصادية للترسبات المعدنية الموجودة في مستودعات اتلانتس وديسكفري وتشين التي أصبحت بموجب الاتفاق السوداني – السعودي جزءً من المنطقة المشتركة. كما اشتملت الخطة على دراسة البحر الأحمر بيئياً وجيولوجياً وجيوفيزيقياً. وقد تبين للهيئة أن هناك ثمانية عشر موقعاً للثروة المعدنية في المنطقة المشتركة. ولكن أكثرها جدوى من الوجهة الاقتصادية هو اتلانتس 2.
كشفت دراسات الجدوى الاقتصادية التي قامت بها الهيئة أنه من الممكن فنياً القيام بعملية تجارية لانتاج حوالي 60٫000 إلى 80٫000 طن من الزنك سنوياً وكميات أقل من المعادن الأخرى كالنحاس والفضة والذهب.
تسبب انخفاض الطلب وتدني اسعار المعادن في توقف نشاط الهيئة لما يقارب ربع القرن. ومع ارتفاع الطلب على المعادن في الألفية الثانية وتنامي أسعارها، عاودت الهيئة السودانية-السعودية نشاطها. وفي مايو 2010 أصدرت رخصة للتعدين في اتلانتس 2 لشركة منافع التجارية العالمية وشركة دياموند فيلدز انترناشونال لمدة 30 عاماً. منافع شركة سعودية وفيلدز كندية.

3- مؤتمر جدة الثاني: 12 – 18 يناير 1976
كان هذا المؤتمر مخصصاً للنظر في بيئة البحر الأحمر وخليج عدن. ولكن جاء في الفقرة الثالثة من البيان الذي صدر عن المؤتمر أن البحر الأحمر وخليج عدن يمثلان مصدراً هاماً من مصادر الثروة الطبيعية المتجددة وغير المتجددة، وأن الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن عازمة على التعاون فيما بينها لتنمية هذه الثروات الطبيعية تنمية راشدة تستند على أسس علمية وتتوخى مصالحها المشروعة.
وبعد الترحيب بمبادرة السودان والسعودية بانشاء هيئة مشتركة للتعاون على استغلال مصادر الثروات الطبيعية في المناطق المشتركة بينهما، دعت الفقرة الثالثة كذلك الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن لدراسة إنشاء هيئات ومؤسسات مشتركة لتنمية مصادر الثروات الطبيعية.

4- خروج قاع البحر الأحمر من دائرة التدويل
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، فإن البحر الأحمر بحر شبه مغلق. وبما أن أقصى عرض للبحر الأحمر لا يبلغ 195 ميلاً بحرياً، فإنه لا يتوفر فيه الاتساع الذي يتيح لأي دولة مطلة عليه الحصول على منطقة اقتصادية بعرض 200 ميل بحري. مما يعني أن البحر الأحمر ستغطيه بالكامل البحار الاقليمية والمناطق الاقتصادية للدولة المطلة عليه ولن يبقى به أي قاع خارج حدود ولاية الدول المطلة عليه, ولا يخضع أي جزء من قاعه للسلطة الدولية لقاع البحار والمحيطات خارج حدود الولاية الوطنية التي أنشأها الجزء الحادي عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982.

5- تأثير الاتفاق المصري -السعودي على المنطقة المشتركة السودانية- السعودية
أُعلن في شهر إبريل من العام 2016 أن اتفاقاً قد أُبرم بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية لتعيين الحدود البحرية بينهما، وأن اللجنة الفنية المشتركة بين البلدين إعتمدت في عملها على قرار رئيس جمهورية مصر رقم (27) لسنة 1990. وهذا هو القرار الذي ضم مناطق حلايب البحرية وإقليمها البري إلى السيادة المصرية. ويفهم من مذكرة مصرية بتاريخ 15/9/2010 منشورة في موقع الأمم المتحدة لشؤون المحيطات وقانون البحار أن مصر تتفاوض مع السعودية بشأن تعيين الحدود البحرية بينهما على أساس أن خط 22 درجة يمثل الحدود الجنوبية لمصر.
فإذا تبين بعد الاطلاع على اتفاق إبريل 2016 أنه يمتد إلى خط عرض 22 درجة، فإن ذلك سيقتطع جزءً من المنطقة المشتركة الموضحة على خريطة الهيئة السودانية-السعودية المشتركة المصاحبة لهذا المقال.
ولا يفوتنا أن نذكر أن نظام المناطق البحرية للمملكة العربية السعودية للعام 1433هـ (2011م) ينص في المادة الثانية والعشرين منه على أن تطبيقه لا يخل بما سبق إبرامه من اتفاقيات بين المملكة العربية السعودية والدول المجاورة والمقابلة فيما يتعلق بالحدود البحرية أو باستغلال الموارد الطبيعية من البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي.

بقلم دكتور فيصل عبدالرحمن على طه

sudantribune