عالمية

على طريقة آراب أيدول وذا فويس.. الفلسطينيون ينتخبون رئيساً جديداً!


“سيادة الرئيس!” نادت زوجة وعد قنّام في تجمع الأسبوع الماضي في القدس الشرقية. ثم هتف الحشد بحماس “نريد منك أن تمثلنا”. هذا على الرغم من حقيقة أن قنّام كان مرشحاً لمنصب الرئيس في أحد برامج تلفزيون الواقع.

في الولايات المتحدة، أحد نجوم برامج تلفزيون الواقع هو المرشح الرئاسي الجمهوري. أما بالنسبة للفلسطينيين، فعلى العكس من ذلك تماماً، المرشح الذي تم اختياره في برنامج تلفزيوني هو أقرب ما وصلوا إليه من اختيار زعيم منتخب منذ أكثر من 10 سنوات.

يُقر قنّام –أحد ثلاثة متسابقين وصلوا إلى النهائي مساء الخميس في برنامج “الرئيس” – أن “هذا مجرد عرض” ثم يُضيف “لكن الناس متعطشون لزعيم”.

البرنامج في موسمه الثاني الآن، وقد بدأ مع 24 متسابقاً تم اختيارهم من بين أكثر من 1,200 متقدم وجب عليهم اجتياز سلسلة من الامتحانات في السياسة الفلسطينية، والقانون الدولي، والتنمية، والمساواة بين الجنسين. يتقمص المتسابقون كل أسبوع، شخصية أحد الوزراء أو رجال الأعمال الفلسطينيين، ثم يُخبرون لجنة من القضاة ما تعلموه وكيف يُمكنهم تحسين أداء تلك الوظيفة.

كما عقد المتسابقون تجمعات انتخابية تحت متابعة الكاميرات، وكان عليهم القيام بحملة لجذب الأصوات من بين الجمهور، والذين صوتوا عبر رسالة قصيرة تبلغ قيمة الواحدة 80 سنتاً. ويُحدد خليط من أصوات القضاة والجمهور من الذي سيواصل في الجولات المقبلة، ولكن في الحلقة النهائية، أصوات الجمهور وحدها هي من تُحدد الفائز. ولأنه لا يوجد سقف لعدد المرات التي يمكن أن يصوت فيها المشاهدون، لعب المال دوراً كبيراً، وعمل المتسابقون على تجميع الأموال لتأمين الأصوات من المشاهدين.

ليلة الخميس، كان لدى المتسابقين النهائيين الثلاثة منصات متماثلة كُتب عليها “قاطعوا إسرائيل”. وتحدثوا عن جعل القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وعن إحداث المصالحة بين الفلسطينيين المنقسمين بشدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. (ستة من المتسابقين الـ24 في الجولة الأولى كانوا من غزة، رغم أن أياً منهم لم يتمكن من الوصول إلى الدور النهائي).

كان قنّام، وهو مسلم من القدس الشرقية، أبرز المرشحين. يدرس قنام ذو الأربعة وعشرين عاماً ليُصبح محامياً، وهو ابن لاجئ نشأ في المخيمات المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. والدته هي نائبة وزير شؤون القدس في السلطة الفلسطينية. ولديه ابتسامة لطيفة.

الأنثى الوحيدة التي تأهلت للنهائيات تُدعى نعمة عدوية –22 عاماً- تدرس العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت قرب رام الله. وقد قوبلت ببعض الاستياء لأن عائلتها الثرية تمول حملتها، كما ثار جدلٌ حول مظهرها عندما اعتبر القضاة بعض ملابسها الملونة غير مناسبة.

المتأهل الثالث، فادي الخير، 35 عاماً، مسيحي ويعمل ممرض أطفال، وكان بعض مؤيديه يشعرون أنه يحتاج إلى توسيع دعايته لتشمل الناخبين المسلمين. قال له أحد أصدقائه في اجتماع الحملة قبل النهائيات يوم الخميس “كنت في حاجة إلى قس وشيخ يجلسون في الصف الأمامي”.

يبث برنامج “الرئيس” على شبكة معاً الفضائية لجمهور كبير في قطاع غزة، والضفة الغربية، وأماكن أخرى في العالم العربي. وكان يتلقى معظم تمويله من وزارة الخارجية للبحث عن أرضية مشتركة، وتُعتبر الشبكة منظمة غير حكومية تركز على حل النزاعات.

إعداد قادة فلسطين

وقالت سهير رسول، المدير المشارك للمجموعة، أن الهدف من البرنامج كان تحضير الشباب الفلسطيني ليكونوا قادة في المستقبل. ومع ذلك فقد كان البرنامج يُرسل رسالة إلى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والذي يقضي عامه الحادي عشر في السلطة، بينما كان من المفترض أن تكون مدته خمس سنوات فقط، بدون أي علامات على تسليم السلطة.

وفي موقف غريب، كان العديد من محكمي البرنامج مسؤولين فلسطينيين رسميين، كما سمحت السلطة الفلسطينية باستخدام مرافقها للمنظمين. ولم يرد مستشارو للرئيس عباس على طلبات للتعليق على العرض.

قال رائد عثمان، مدير عام شبكة معاً أن العرض “رسالة للقيادة الفلسطينية. الانتخابات هي الحل. الديمقراطية هي الحل”.

قبل النهائيات، كان فادي الخير، ممرض الأطفال، قلقاً للغاية حول جمع ما يكفي من الأموال. قالت أمه، حنا الخير، قبل الحلقة النهائية “نحن نركز على الأغنياء، وليس الفقراء، لأن لديهم ما يكفي بالكاد لسد رمقهم”. كانوا يُركزون على الأشخاص في مسقط رأسه -بيت ساحور- وهي قرية في الضفة الغربية. وكان المسيحيون متحمسين جداً لرؤية واحد منهم يُزاحم على منصب الرئيس.

في الحلقة ما قبل الأخيرة، أنفق فادي حوالي 7,800 دولار لتأمين ما يقرب من 10,000 صوت. وبينما يستعد لتحضير خطابه للحلقة الأخيرة، يُقدر أنه سيحتاج إلى تأمين 20,000 صوت على الأقل ليكون لديه فرصة في الفوز.

المقاومة الاقتصادية
قال “أريد أن أتحدث عن المقاومة الاقتصادية. دعوة للاستثمار الأجنبي والاستثمار الفلسطيني”، لكن زوجته ميرنا، 25 عاماً، قطعت حديثه، فابنهما الصغير البالغ من العمر 3 سنوات، جهاد، كان قد تقيأ على أرضية المطبخ.
وتابع فادي بينما يساعد زوجته “سأتحدث عن الدبلوماسية”.

اهتمت عائلة نعمة عدوية بكل شيء تقريباً. فقد نظم لها والدها بهجت عدوية، 72 عاماً، تجمعاً انتخابياً في ليلة قريبة في حي الرام، وهو حي قريب من القدس، ويقع وراء جدار الفصل الإسرائيلي، حيث يمتلك والدها العديد من الممتلكات هناك.

“أنا ابنة القدس” كذا قالت نعمة وهي تتدرب على خطابها. يسير والدها حولها وهو يُدخن، ثم قال لها “تحدثي بقوة أكثر”. وأضاف مبتسماً “إنها تريد أن تفوز، لذا لا بد أن أدعمها. هي فتاتنا الصغيرة المدللة”.

لكن منتجي العرض لاحظوا أن نعمة قد عملت بجد للغاية وأعجبت المحكمين. وقالوا إن المال وحده لا يمكن أن يُوصلك للنهائيات.

احتشد لها شركاء أبيها في الأعمال، ورئيس بلدية الرام، بالإضافة للعديد من السكان البارزين، كما حصلت على دعم النساء، وكان هناك العديد منهن ينظمن المؤتمر، علاوة على فرقة رقص نسائية فلكلورية للترفيه عن الضيوف.

قال علي المسلماني، رئيس البلدية “نريدك أن تكوني أنتِ الرئيس، ولمَ لا؟ فتاريخنا الإسلامي الطويل يمتلئ بالنساء القادة”.

ولكن كان من الواضح أن قنّام هو أكثر المرشحين شعبية.

في ليلة بنادي لكرة القدم بالقدس الشرقية، استطاع بالكاد الوصول لمنصته قبل أن يحيط به السكان المؤيدين له.

قال مصطفى شعباني البالغ من العمر 23 عاماً والذي يعمل في وظيفتين لإعالة أسرته، أنه أنفق ما لا يقل عن 7 دولارات على التصويت لصالح قنّام.

بينما قال عثمان، المدير العام لقناة “معاً” إن تأثير المال جعل العرض أكثر واقعية. وأضاف “يمكنك أن تجلس في مقهى ويكون لديك أفكار عظيمة. لكن وماذا بعد؟ أرني الأموال”.

خلال النهائي، يوم الخميس، في استوديو رام الله، تعثر فادي الخير خلال خطابه. وتغلبت عليه نعمة بالحديث عن الدين والقومية، فقالت “لقد حان الوقت لتغيير ما بداخل أنفسنا، حتى نتمكن من تغيير واقعنا المريض”.

وعلى الرغم من ذلك، ففي النهاية، كانت تلك ليلة قنّام.

قال للجمهور “أنتم تقومون بقرار مهم!” ووعد بأن يكون أول عمل له إن انتخب “رئيساً” هو زيارة غزة ورأب الصدع الممتد لمدة عقد بين الفلسطينيين. “سأُعيد توحيد أمتنا! لولا أنني أحب هذا الوطن، لم أكن لأفعل ذلك. هذا واجبي”.
وصاح الجمهور “وعد قنّام! وعد قنّام! وعد قنّام!”

فاز قنّام مع ما يقرب من 42,000 صوتاً، مقارنة مع ما يقرب من 28,000 لنعمة عدوية وحوالي 14,000 لفادي الخير. ماذا كانت جائزته؟ سيارة، بالإضافة إلى فوزه والاتصالات السياسية التي جمعها بسبب كونه في البرنامج.

وسعى جاهداً للتحدث عبر صخب الجمهور “هذا ليس انتصاري! إنه انتصار لفلسطين!”

قريباً منه، كان هذا النصر صعباً على آخرين. فقد زعمت أسرة نعمة عدوية أن المنظمين قد زوروا النتيجة، بحجة أنهم كانوا قد أمنوا 41,000 من الأصوات لابنتهم.

صاح أحد أقربائها ” لقد اشتريت 24,000 صوتاً! أين هي؟”

هافينغتون بوست عربي