حوارات ولقاءات

القيادي الإسلامي دكتور قطبي المهدي : الوطني عجز عن محاربة الفساد ومقاومته و فساد الشركات الكبرى ذات الخصوصية هو فساد محمي


لم أشعر بوجود إسهام حقيقي في الحوار الوطني..!!
لهذا (….) عندما يذكر الفساد الكل ينظر للمسؤولين…!!

الحديث عن الهوية بعد ستين عاماً حديث محرج …!!
معالجات الحكومة الاقتصادية كانت تهدف لعدم حدوث انهيار اقتصادي

نريد خارطة طريق واضحة.. لأن مصيرنا أضحى مجهولاً
فساد الشركات الكبرى ذات الخصوصية هو فساد محمي.

الوطني لم (يقنع) المواطن برؤية سياسية يقوده بها إلى بر الأمان
الوطني عجز عن محاربة الفساد ومقاومته

الحكومة لجأت لمعالجات اقتصادية أكاديمية تقليدية جدًا

يعد دكتور قطبي المهدي أحد رجال الإنقاذ الأوائل وهو القلائل ممن يدافعون عن المؤتمر الوطني رغم ابتعاده عنه في الآونة الأخيرة، فالرجل لا زال يحاول بقدر استطاعته تقويم بعض ما يراه معوجاً في التجربة، ومن تحت جسر الراهن السياسي بالبلاد جرت مياه كثيرة في الآونة الأخيرة.. الصيحة حملت أوراقها وجلست إلى دكتور قطبي المهدي، ووضعت بين يديه عشرات أسئلة الراهن والقضايا والملفات الساخنة بماذا أجاب الرجل.. إلى مضابط الحوار..

*بداية دكتور قطبي كيف تقرأ الراهن السياسي بالسودان؟
-اعتقد بأن هنالك ارتباكاً في المشهد السياسي وعدم وضوح، وقد تابعت الحوار الوطني كنت حريصاً في معرفة العقلية السياسية السودانية في ظل هذا الوضع، كيف تفكر في قضايا الوطن؟ وحتى الأجندة الوطنية الملحة، ولكن لم أشعر بوجود إسهام حقيقي لأن معظم القضايا التي نوقشت توصلوا فيها لنفس الأراء المجمع عليها منذ الاستقلال، على سبيل المثال الحديث عن الهوية بالنسبة لي هو حديث محرج جداً بعد انقضاء ستين عاماً من الاستقلال وبعد مئات السنين كبروز السودان كدولة معاصرة منذ السلطنة الزرقاء، يتم مناقشة هذا الموضوع، ولكن في نهاية الأمر انتهينا للقناعات التي وجدت في كل الدساتير منذ الاستقلال أن السودان بلد عربي افريقي لم يتغير حتى بعد انفصال الجنوب، مازلنا أفارقة، ما زلنا عرباً ومسلمين، بل تعززت هذه القنوات أكثر، كان ممكن كيفية تفعيل هذا الناتج لبوتقة الانصهار لهذه الهوية ولكن بدلاً من الإحساس الإيجابي بهذه الهوية في المحيط التكويني والعالمي مازالنا منازعين وكل الحديث عن التعددية إلى الآن مازال مشكلة أكثر مما هو إيجابي. وإذا نظرنا للفلبين لديهم قومية واضحة جداً على اختلاف قبائلهم ولغاتهم، ولكن هم في أفريقيا يمثلون كياناً واضحاً ولا يوجد التنازع في هويتهم سواء كان مسيحيين أو مسلمين فيهم دم عربي أو أفريقي هل هم ( نقرو) ليس لديهم هذه المشكلة بل معترف بهم بهذه الهوية في أفريقيا بالتالي دورهم في منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الافريقي معترف به.

* ألم تلمس تفعيل هذه الهوية عبر مداولات لجنتها في الحوار؟
– نحن كسودانيين لدينا شعور بأننا نمثل شيئاً متفرداً جداً ولدينا دور خاص بحيث ينظر لنا نظرة احترام فتفعيل هذه الهوية لم ألمسه في الحوار وهذا ناتج طبيعي من الشخصيات السياسية التي لم تقدم شيئاً في الحوار سوى حفظ الانطباع العام بأننا كسودانيين جلسنا مع بعض وتفاهمنا واخترنا الحوار بديلاً للصراع هذا هو الإنجاز الوحيد ولكن لن يمضي بنا خطوة إلى الأمام.

*كأنك تود القول إن الحوار لم يجب على تساؤلات إستراتيجية ومصيرية؟
– لا زالت هنالك أسئلة ملحة جداً حول العقلية السياسية والسودان إلى أين؟ وهل لدينا رؤية للمستقبل؟ وهل لدينا إستراتيجية متفقة مع هذه الرؤية؟ الآن مطروح هذا السؤال في الشارع العام، رغم الحوار وهذه المجهودات إلا انه إلى الآن لم توضع خارطة طريق واضحة جدًا بأننا إلى أين نتجه؟.اصبح مصيرنا مجهولاً سواء كان ذلك في وضعنا الاقتصادي او مستقبلنا السياسي خاصة توجد تحديات كبيرة جداً، فالذي نشهده الآن في العراق وسوريا واليمن ربما يتكرر هنا “بعد شوية نشيل بقجنا” ونكون لاجئين من بلد لبلد” فهذا يدل على عدم وجود إجابات سياسية قوية من الجميع، فالأحزاب السياسية كلها لم تجب على الأسئلة الاستراتيجية، وحتى الحزب الحاكم لم يستطع طمأنة المواطن بأن لديه رؤية سياسية تخرج به إلى بر الأمان.

*إلى ماذا تعزو ضياع الهوية السودانية؟
– بعد الحرب العالمية الثانية لم تظهر مشكلة الهوية لأن إحساسنا بالقومية السودانية كان قوياً جداً وصورة السودان كانت واضحة جداً وأخلاقنا وتقاليدنا حتى عندما كنا في المدارس ننشد الأناشيد الوطنية، وكنا نحس بها ولكن فجأة بدأت تطرح هذه الأسئلة بشكل اعتسافي كأنها مفروضة علينا من قبل المشككين في هويتنا بأننا لسنا شعباً واحدا بل شعوب متعددة وأن هنالك جهة معينة تود فرض أشيائها وحاجاتها كلها على الجميع رغم اعترافنا بتعدد الكيانات، وظل الجميع منصهرًا في بوتقة الوطنية، وبدأت وطنيتنا تتبلور، ومع ذلك بدأ البعض يفرض علينا هذه الأجندة فرضاً، وبدأ الحديث بأننا لسنا بشعب واحد، ولدينا ثقافات مختلفة، وهذا الحديث غير صحيح، وخير دليل على ذلك أنك يمكنك أن تسافر من بورتسودان الى الجنينة تجد نفس الأشياء المشتركة بين السودانيين نفس اللغة والأطعمة المشتركة، لا تحس بالفرق عكس البلاد الأفريقية الأخرى التي بها انقسامات اجتماعية كبيرة جداً (ليس مطروح لديها سؤال الهوية) كإثيوبيا التي لا تتحدث لغة واحدة رغم أن كياناتها مختلفة وكذلك لغاتها وأصولها العرقية ومع ذلك يعطونك إحساساً أنهم شعب واحد.

لذلك نقول بأن مشكلة الهوية فرضت علينا، وفي السابق كان كل سوداني يعتز بسودانيته، وكان الشعور الطاغي هو القومي الآن أصبح الإحساس المحلي والقبلي يطغى على الحس القومي، وهذا نتيجة لتلك الدعاية الممولة من الخارج الذي أوجد لها حركات تحرير ومليشيات تقاتل من أجلها وزرعوا هذه الأحقاد بين الناس، لذلك أرى تراجعاً كبيراً جدًا لمشروعهم هذا. إذن عندما تسعى لوحدة قومية لابد أن تكون هناك أصول لثقافتك والأمر الواضح في الهوية السودانية هو ذاك الإسهام الواضح للريف والبادية كان عندها في تكوين هذه الشخصية، والآن حدث تراجع لحد كبير نسبة للضغوط التي مورست على البادية بسبب التنمية غير المتوازنة والهجرة الى المدن والغزو الثقافي، فبدأ هذا الدور يتضاءل جداً مثلاً الآن يتم الحديث عن توطين الرحل، وهذا وأد لثقافة كاملة وعلى مجتمعات وقيم وتقاليد وأخلاق وطريقة تفكير متميزة جدًا، وفي النهاية تقع هذه الأشياء على الأصول الدينية لأن أخلاقنا مرتبطة بالنسيج الديني. بجانب الهجوم على التوجه الإسلامي لحد كبير وعولمة المؤسسات التربوية ومصادر الثقافة العامة لعب دوراً سالباً في استجلاب كثير من العادات والتقاليد التي بدأت تغزو مجتمعنا وتقضي على المصادر الأصلية في الثقافة السودانية، وهذا ما جعل الثقافة أن تكون خليطاً مما أدى إلى مسخ الهوية وأصبحت الثقافة في أديس والخرطوم هي ثقافة غربية من الدرجة الأولى.

* لنتجه إلى ملف آخر … المؤتمر الوطني متهم بحمايته للفساد عبر القبضة الأمنية؟
– لا أجزم بأنه يحمي الفساد، ولكنهم عجزوا في محاربة الفساد ومقاومته ومن ثم التصدي له. أما القبضة الأمنية إذا لم ترشد سياسياً فهي خطرة جداً لأني كنت مديراً لجهاز الأمن، وأستطيع أن أقول هذا الحديث لذلك كلما قويت القبضة الأمنية أصيبت الشفافية بثقل، وإذا قلت الشفافية فسيجد الفساد حينها نوعاً من الحماية والبيئة الصالحة.

*ماذا عن التحلل؟
– موضوع التحلل به سوء فهم ليس مقصوداً به أن أي مجرم يستطيع النجاة بفعلته بعد رد المبالغ التي أخذها أي انسان أختلس او سرق سوف يجد طريقه إلى القضاء او المحاكم والمقصود أن هنا أن في هذه الحالات يحدث خطأ والتباس من الفاعل، فعليه حينها إعادة هذه الأموال هنا تحلل، ولكن أي شخص حصل على المال بطريقة غير شرعية فسوف يحاكم حتى لو أعاد المال، والتحلل الذي يكثر الحديث عنه في المنتديات لم يفهم فهماً قانونياً صحيحاً، لذلك نعود للنقطة السابقة حول أهمية الشفافية والمحاسبة في النظام الدائم وهو نظام ديمقراطي وهو أمر مهم جداً وإذا كانت الأجهزة الأمنية لم تضع مواعينه القانونية والمؤسسية فسوف تسهم أسهاما سيئاً جداً في هذا الجانب.

*مفوضية مكافحة الفساد جسم هلامي دون عمل؟
– ذكرت بأن المؤتمر لم ينجح في التصدي للفساد لأننا لا نضع يدنا في بعض الأحيان في مواطن الفساد الحقيقي.

* قاطعته.. هل لأن المفسدين هم أعضاء في المؤتمر الوطني؟
– ابتسم قائلاً… لا هذا هو الخطأ الذي نقع فيه دائماً أول ما يذكر الفساد نهاجم بسرعة المسؤولين إذا كان الوزير او مساعد الرئيس أو نوابه وهذا ليس الفساد الحقيقي، ولكن الخلل الموجود في الخدمة المدنية أتاح للمواطن الفساد حتى الآن لم يركزوا عليه الآن إذا كان لدى الشخص معاملة في أي مؤسسة حكومية تجد صعوبة في متابعة مصالحك لكثرة المماطلة في النهاية يضيع الورق، وفي النهاية يضيع الوقت فيظهر موظف يؤكد لك بأنه سوف ينجز هذا الورق في 24 ساعة، وهذا بمقابل ولمن يذهب المقابل؟ أكيد لهذا الشخص وهو سمسار وجزء سيذهب للموظف الفاسد الذي يبرر لنفسه بأن الراتب لا يكفي لذلك يحق له الاستثمار في الوظيفة حتى يحصل على دخل إضافي. بهذه الصورة نجد أن الخدمة المدنية انتقلت من مؤسسات إلى الشارع او السوق، هذا نوع من الفساد منتشر جداً، لذلك عندما يذكر الفساد الكل ينظر للرئيس ونائب الرئيس والوزير. وهنالك نوع ثان من الفساد وأخطر من السابق يتمثل في شركات كبيرة لا تسعى للشهرة وهذه الشركات مرتبطة بأناس موجودين في الخدمة المدنية، ويقال بأن لهم دور كبير في دعم هذه الشخصيات، وأن هناك تعاملاً بينهم وأكبر مخدم هي الحكومة، لذلك تعتبر هذه العلاقة من أخطر العلاقات لذلك ظهر الاحتكار لبعض الشركات جراء هذه الخصوصية مع موظفي الخدمة المدنية مما أدى بالبعض ترك الاستثمار بالسودان وهذا فساد محمي.

*في اعتقادك لماذا أحداث العنف الطلابي بالجامعات طرفها المؤتمر الوطني؟
– ليس لدي معلومة بأن العنف ابتدره الإسلاميون الوطنيون كما يسمون، فمعظم العنف به مؤشرات واضحة جدًا بأنه أدخل عن طريق الحركات المسلحة التي في عضويتها طلاب بالجامعات وهم بطبيعة توجههم أتوا بالكفاح المسلح وخاصة في الفترة الأخيرة مع الهزائم المتلاحقة للحركات المسلحة حاولوا إثبات وجودهم بأن يحركوا كوادرهم في الجامعات لتمتع الجامعات بحرية نسبية في الداخل وأعتقد بأن العنف وراءه دوافع سياسية وليست فكرية حتى نتهم الإسلاميين بأنهم بطبعهم عنيفون ولكن الذين يحملون السلاح ويطالبون بإسقاط النظام بالقوة هم أنفسهم أتوا بالعنف.

* إلى أين تسير دارفور بعد الاستفتاء واختيار المواطن لخيار الولايات؟
– النتيجة عبرت عن مخاوف المواطن في دارفور من عودة الصراع مرة أخرى والشعور الغالب إذا دارفور أصبحت إقليماً واحدا سوف يكون هنالك صراع قبلي يفرز نوعاً من التصنيف القبلي وبالتالي شعروا بأن الولايات تعطي كل ذي حق حقه من غير تدخل هذه المجموعات في صراع وفي نفس الوقت من ناحية دستورية فيه دعم للنظام الفيدرالي يجعل السلطة أقرب للمواطن ليجعل المشاركة أكبر من جانب القاعدة الشعبية فنظام الاستفتاء عزز عملية السلام.

*رغم الجهود والنظريات التي تبذلها الحكومة إلا أن الواقع الاقتصادي ما زال متردياً كيف ترى الأمر؟
– اعتقد بأن الحكومة لجأت لمعالجات اقتصادية أكاديمية تقليدية جداً في البرامج الخماسي، ولكن الواضح بأن الاقتصاد السوداني لا يسير وفقاً لما هو في كتب الاقتصاد فواقع الاقتصاد يتعرض لضغوط مختلفة ومفاجآت كثيرة، فالبرامج الإسعافية والاقتصادية لا تجد معالجة للانحسار الاقتصادي المفاجئ وهذه من الأشياء التي أثرت في السياسات واعتقد بأن الحكومة لم تأخذ موضوع النهضة الاقتصادية مأخذ الجد فكل المعالجات التي لجأت لها كان أقصى طموحها بأن لا يحدث انهيار اقتصادي والمحافظة على الوضع الراهن، وهذا لا يفيد لأن في الغد ستكون التحديات أكبر وهي بلد تعدادها السكاني في تزايد، الأسعار في ارتفاع، حتى يتم تجاوزها لابد من إحداث طفرة اقتصادية كبيرة، فالبلاد التي تجاوزت مرحلة الجهل والتخلف وضعت خطة طموحة جداً قد تكون مكلفة جداً وهذا ما حدث في كوريا والاتحاد السوفيتي واليابان، وهذه البلاد ليس لديها موارد مثل السودان فضلاً عن الاتحاد السوفيتي لا يمتلك شيئا من موارد، بلد بها كل الموارد، ولم تستطع الاستفادة منها فالسودان يحتاج لزيادة الإنتاج والخروج من دائرة الفقر. والآن التحدي الصعب الذي أمام الحكومة هو كيف تعالج سعر الصرف لأن الاستيراد يتم بأضعاف ما يصدر سوف تظل هذه المشكلة موجودة ما لم تعالج هذه المعادلة في الميزان التجاري. ولن تصحح إلا بالإنتاج والأخير لا يصحح إلا بعمل جاد جداً.

*الأضرار الاقتصادية في ارتفاع تكلفة الإنتاج كيف تعالج؟
– ليس صعباً، مثلاً هذا الموسم إنتاجية الفدان من القمح بلغت في بعض المناطق 30 جوالاً للفدان فأصبح هناك انتاج وفير وأصبحت هناك مشكلة في التسويق في السابق عندما وضعت خطة النهضة الزراعية كانت عملية الإنتاج متكاملة تبدأ من توفير المدخلات وتدريب المزارعين وحل مشاكل الأراضي والري والنقل والتسويق فإذا لم تعالج كل هذه المشاكل فسوف يتفاقم الامر وما يؤسف حقاً لم تعط النهضة الزراعية حقها لأنها تعاني من مشكلة تمويل وتسويق فافتكر بأن المشكلة ليست مستعصية على الحل ولكن تحتاج لجدية أكثر.

*البعض يتحدث عن ظهور بعض الشخصيات وقيادات تصدرت المشهد التنظيمي والسياسي للوطني مما أثر سلباً على أداء الحزب أين أنت من هذه المقولة؟
– كنا نتوقع إشراك هذه القيادات في مرحلة مبكرة في القرار السياسي بحيث تستلم العمل السياسي والتنظيمي من الجيل الذي سبقها وتكون جاهزة تماماً في التكوين السياسي ، وهذا لم يحدث في وقته بالتالي لم يكن الانتقال سهلاً، وربما لو تم ذلك في وقته لحدث استقرار ولكن!!!.

حوار: بهجة معلا
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. في تعليق واحد يصلح للرد علي نوعية قطبي من البشر…. للاسف لا يسمح بنشره هنا