تحقيقات وتقارير

المعارضة المتضرر الأول من التدخل الأجنبي


لا أعتقد أن عاقلاً يفرح ويعول على احتمالات تدخل أجنبي أممي لحسم أزمة دارفور والمنطقتين، كوسيلة لاقتلاع الإنقاذ للأسباب التي سنوردها لاحقاً.
يجب على الجميع وبصفة خاصة الحكومة عدم الإستهانة أو التقليل من احتمال تدخل دولي في دارفور أولاً ثم المنطقتين لاحقاً، ويجب التحسب لهذا الإحتمال والعمل بكافة الوسائل والمرونة مع القناعة بأن هذا التحسب لا يضير إذا لم يحدث التدخل.
مؤشرات هذا الإحتمال كما ذكرنا سابقاً كثيرة وواضحة ومضطردة نذكر منها على سبيل المثال تواتر القرارات الدولية تحت الفصل السابع منذ أكثر من عشر سنوات مثل القرار 1591 في 2005 الذي تم فيه تكوين لجنة دولية للإشراف الكامل على التحركات العسكرية ونقل الأسلحة الى وداخل دارفور، والقرار 1593 في 2007 الذي أحال أزمة دارفور الى المحكمة الجنائية،

والقرار 1769 في 2007 أيضاً الذي أنشأ اليوناميد ثم أخيراً القرار 2265 في فبراير 2016 الذي صدر عقبه بأيام بيان الترويكا الذي يؤيد القرار ويحمل الحكومة مسؤولية المحافظة على أمن وسلامة كل مواطني السودان، بصفة خاصة مواطني دارفور والمنطقتين.. تلى كل ذلك بيان الخارجية الأمريكية في أبريل 2016 الذي يندد باستفتاء دارفور ويطالب بتأجيله، وأخيراً بيان الترويكا الأخير الصادر في 27 مايو 2016 الذي جاء تحت عنوان (تصريح مشترك عن قصف جوي في جنوب كردفان وطرد مدير مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية).

نص التصريح: (التصريح التالي صدر مشتركاً من حكومات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والنرويج –أعضاء الترويكا- يعبرون عن بالغ انزعاجهم وفزعهم من قصف الحكومة السودانية للمدنيين في كاودا ومنطقة هيبان في جنوب كردفان، بما في ذلك قصف مدرسة سانت فنست الأولية يوم 25 مايو 2016 مؤكدين مسؤولية الحكومة السودانية في حماية كل مواطنيها وتدعو الأطراف لإنهاء العنف والسماح بمرور المعونات الإنسانية فوراً.. نعتقد أن خارطة الطريق التي وضعتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى تشكل خطوة الى الأمام.. دول الترويكا أيضاً معنية بعمق ومستاءة من قرار الحكومة السودانية بعدم تجديد إقامة مدير مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والتي يعتبر في الواقع طرداً للمدير ايقو فرجسن من السودان- قرار حكومة السودان هذا يعتبر إضافة سلبية لصعوبات الموقف العام لمعالجة المعاناة الإنسانية لبعض مواطني السودان- الموقف الإنساني في السودان يظل حرجاً بمعاناة أكثر من 5.4 ملايين مواطن بحاجة الى مساعدات إنسانية. نحن ندعم بقوة تفويض مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان ونطالب الحكومة السودانية بإعادة النظر في قرارها الأخير بطرد مدير المكتب مع إزالة كل العقبات في سبيل إيصال المعونات الإنسانية في وقتها المناسب لكل السودانيين المتأثرين بالأزمة والمشكلة)انتهى.. (أرجو ملاحظة التربص والمتابعة من دول عظمى إذ صدر هذا البيان بعد يومين فقط من حادثة القصف الجوي).. هذه مؤشرات تصب في احتمال التدخل الأممي والذي في رأينا سيبدأ بإصدار قرار أممي تحت الفصل السابع بذريعة إنقاذ المدنيين الأبرياء وإعادة الأمن والسلم للمنطقة بفرض وصاية دولية على إقليم دارفور عبر فرض حظر طيران أولاً، ثم الطلب الى دولة أو دول بالتدخل لتنفيذ الوصاية وإبعاد كل وجود عسكري أو مدني لحكومة السودان في دارفور، وحتى يقبل أعضاء مجلس الأمن المتعاطفين مع السودان (روسيا والصين) تحدد مدة للوصاية بين 4 الى 5 سنوات لإبعادهما من استعمال الفيتو- في هذه الفترة تقوم الدول المكلفة بالتدخل العسكري وفرض الوصاية وغالباً ما تكون فرنسا وألمانيا واللتان ستقومان بأعمال عاجلة وبكفاءة عالية في إعادة الأمن والإستقرار لدارفور، والتعمير والبذل السخي للتعويضات وتحسين البنى التحتية من طرق، ومطارات، ومستشفيات، ومدارس، وكهرباء، ومياه، وإعادة النازحين الى حواكيرهم وبداية الزراعة التقليدية كما كان في السابق والاستقرار في كل أنحاء دارفور، حتى يقنع مواطنو دارفور بأن الوضع الجديد أفضل لهم وتتم هجرة طوعية داخلية عكسية الى دارفور مثل ما فعل المصريون في حلايب.. يتزامن مع هذه الوصاية استغلال واستخراج ثروات معدنية ضخمة في دارفور يعلمها المجتمع الدولي، خاصة المانيا وفرنسا وأمريكا- معادن نادرة قيمة مثل اليورانيوم، والتيتانيوم، والنحاس، والحديد، والذهب إضافة الى البترول (في العراق رُفع شعار النفط مقابل الغذاء وتم استنزاف بترول العراق).. يتم استنزاف كل هذه الثروات والموارد تحت غطاء التنمية والرفاهية لشعب دارفور، ويفقد السودان ثروات عزيزة نادرة عالية القيمة المادية.

لعل هذا يفسر لنا شيئاً من لغز اهتمام فرنسا والمانيا بالشأن السوداني ودعواتهم المتكررة غير المألوفة للمعارضة السودانية – إفرازات هذه الوصاية ونجاحها هي تطبيق نفس المخطط على جنوب كردفان والنيل الأزرق بقناعة مواطنيها وقطاع الشمال، وبذلك يتحقق المخطط القديم في تقسيم السودان الى خمس دويلات ضعيفة هي جنوب السودان، ودارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق ووسط السودان.. وفي هذا المخطط الإنقاذ باقية في حكم السودان في مثلث الوسط الباقي الذي يضم ولايات شمال كردفان، والخرطوم، والنيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، والقضارف، وكسلا، والبحر الأحمر، والشمالية، ونهر النيل، وغرب كردفان، وذلك بقناعة أمريكا والدول الأوروبية ومصالحها المعلنة وغير المعلنة بأن الإنقاذ هي الأفضل في حكم باقي السودان على أساس انها قوية اكتسبت خبرة كبيرة- جيشها، وجهاز أمنها، وشرطتها قوية وفي إعداد وكفاءة عالية، وبذلك تكون درعاً حصيناً ضد خطر المجموعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة في المنطقة حول السودان.

إن المعارضة المدنية بعد تنفيذ مخطط التقسيم هذا ستكون في ضعف ووهن يحرمها من حكم السودان أو المشاركة فيه لفترة طويلة- الانقاذ وبالرغم من فقدان ثروات هائلة نتيجة التقسيم إلا أنها سوف تتلقى دعماً كبيراً غير مسبوق من دول الخليج وأمريكا وأوروبا يمكنها من إعادة تأهيل مشاريعها المستدامة في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وصناعاتهما التحويلية ويعود السودان كما كان معتمداً على تلك الموارد المستدامة وستكون كافية لنهضته بعد تقلص مساحته وتقليص الظل الإداري والأمني والخدمي والدذي به تنخفض تكاليف الحكم بدرجة كبيرة لا تقل عن 60% من الصرف الباهظ الحالي خاصة على الأمن إضافة الى إعفاء الدين الخارجي حسب برنامج الهيبك (HIPOC: Heavily Indebted Poor Countries)- الدول الفقيرة المثقلة بالديون.

هذا هو المخطط الأمريكي والغربي لذلك أكثر المجموعات تضرراً في هذه المعادلة ستكون المعارضة المتبقية بعد خروج المعارضة المسلحة منها نتيجة للتقسيم المحسوب، لذلك لن تجد فرصة للحكم في التداول السلمي للسلطة الذي دعت له الإنقاذ الآن بجدية وهي في موقف قوة عبر قبولها خارطة الطريق المقدمة من الإتحاد الأفريقي ووعد الرئيس بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي يضمن للمعارضة البقاء في منظومة الحكم عبر التداول السلمي للسلطة.. على المعارضة إدراك أن تحالفها الحالي مع قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة تحالف مرحلي غير استراتيجي آيل للزوال فور تنفيذ مخطط ما بعد التدخل الدولي، مثلما حدث عند فصل الجنوب وترك قطاع الشمال في مهب الريح بل (عكس الهواء)، والعاقل من اتعظ بغيره.. العقلاء والحادبون على سلامة السودان ومواطنيه حتى ولو كانوا معارضين أو غير راضين عن الإنقاذ عليهم أن يكونوا أكثر الناس حرصاً على عدم منح القوى الخفية المعادية للسودان الفرصة في تفتيته، وذلك بوقف الحروبات والنزاعات وقبول الحوار الوطني لأن في هذا إبطال لخطة المجتمع الدولي (أ)، وهي تقسيم السودان كما ذكرنا حال استمرار المعارضة في التمترس في مواقفها واستمرار الحروب ومعاناة المواطنين المدنيين ونزوحهم.. في الحالتين الإنقاذ باقية ولا يمكن إزالتها من الحكم إلا عبر التداول السلمي للسلطة بصناديق الإقتراع التي سوف تتيح للمعارضة حكم السودان ولو بعد حين، وهذا لن يتأتى لها إلا بالتغيير الجذري في مواقفها ووسائلها وتحالفاتها المرحلية الهشة، حتى تدخل نفسها في منظومة حكم السودان عن طريق المشاركة في الحوار الوطني الشامل، والذي به وحده يمكن إبطال مخططات تقسيم السودان.

تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة