عبد الجليل سليمان

لولا قطبي


لن يقوى قطبي المهدي على تنفيس الاحتقان بشكة دبوس صغير، حين يصف الأوضاع السياسية في البلاد بالمرتبكة، وحين يقول عن الحوار الوطني “إنه لم يُساهم مساهمة حقيقية حول القضايا الوطنية الملحة، وأن النقاشات والتوصيات كافة التي أفرزها مؤتمر الحوار هي ذات الآراء المُجمع عليها منذ الاستقلال”، حين يقول ذلك ينبغي له أن يخبرنا عن دوره هو وحزبه في النكوص بالبلاد وشد وثاق العباد لثلاثة عقودٍ ذاهبة إلى الرابع.
لكن، كل ذلك ندير رؤوس أقلامنا عنه الآن، حتى لا ننخرط في جدلية أشبه بالسفسطة، لكن ما لفتني إلى أقوال قطبي في حوارع مع يومية الصيحة (عدد أمس)، هو اعترافه بفساد الخدمة المدنية وإحالة كل أنواع الفساد الأخرى إليه، وهذا ما ظللنا نردده وينكره علينا آخرون، ضمنهم كتاب إسلامويون (كبار)، فإذا بمن هو أكبر منهم (سياسيًا وتنفيذيًا وأمنيًا) يصحو من (نومته) الكهفية ليلتحق بالحقيقة، فيما لا يزال الكهف يضج بشخير كثيرين.
والحال، إن المهدي وإن حاول (تغميم وتعميم وترميد) بعض آرائه، لكنه مشكور على اقترابه من الحقيقة، وهي كما قال وقلنا قبله: “إن الفساد موجود في الخدمة المدنية، وانتقل منها إلى الشارع والسوق”.
هذا يكفي، فالرجل لم يقصر معنا، فلندعه في حفظ الله ورعايته، لنوغل أكثر في إيضاح الأمر، وأول ذلك إن الخدمة المدنية ليست سوى مؤسسات الدولة (المؤسسات العامة)، وهذه المؤسسات – أي الخدمة المدنية – لا يديرها إلا الوزراء وكبار ما يسمون بـ (رجالات الدولة) وكلهم كانوا إلى وقت قريب، ولا يزال جلهم، من الإسلامويين الذين جاءت بهم سياسية (التمكين)، ولذلك فإذا كان أحد قادتهم السياسيين والتنفيذيين والأمنيين الكبار الجِسام كقطبي المهدي يتحدث الآن عن أن الفساد العميم الذي يضرب البلاد ويمسك بخناق العباد أُبتدر في الخدمة المدنية قبل أن يتفشي ويذيع في الأمدار والمدائن والبوادي والقرى والحضر والأسواق، فإن الحرب عليه ليست سهلة، صحيح، لكنها ليست بتلك الصعوبة التي صورها الرجل.
كيف إذن، نحارب الفساد؟ نقول لكم، اذهبوا مباشرة إلى الخدمة المدنية، وأطيحوا بالرؤوس الكبيرة، ليست كلها وإنما المتورطة في نشر الفساد، طالما أنتم تعرفونها وتقرون بها، وتلك الرؤوس ستأتي بأخرى، وتلك بأخرى وتلك.. إلى أن يتمكن مولانا (قشي) ولجنته من حصد جميع الرؤوس، وحين يتم تنظيف الخدمة المدنية، فإن أمر الأسواق والأزقة والحواري هين وسهل.
ومجددًا.. نشكر قطبي المهدي على صحوته، ونأمل أن يفيق الآخرون من غفوتهم قبل أن (يرش عليهم) ماءً باردًا.