حوارات ولقاءات

اللواء طبيب فتحية حسين شبو: تحكي عن تجربتها فى مجال العلاج النفسى بالسودان


تميزت المرأة السودانية على كافة المستويات الإقليمية والإفريقية والعربية وكانت رائدة في المجالات العلمية والأدبية والعملية , حيث سبقت الكثيرات من اخواتها فى الوطن العربى , وحققت نجاحات فى مختلف المهن فكانت وزيرة وطبيبة ونائبة برلمان كما دخلت المجال العسكرى والشرطى حتى وصلت الى رتبة الفريق.

التقت وكالة السودان للانباء اللواء طبيب فتحية حسين شبو مدير دائرة الصحة النفسية – استشاري الطب النفسي بإدارة الخدمات الطبية بوزارة الداخلية ( مستشفي الرباط الجامعي- مستشفي عبدالعال الإدريسي للطب النفسي) . فى حديث عن تجربتها فى مجال العلاج النفسى بالسودان وظاهرة انتشار المخدرات واثارها السالبة على المجتمع:-

س: نشكر لك اللواء د. فتحية هذة الفرصة وليكن مدخلنا للحديث اختيارك لهذا التخصص فى الطب البشرى … ما هى الدوافع والاسباب؟
ج: بعد اكمالى لدراسة الطب البشرى بجامعه الخرطوم كانت الخيارات مفتوحة أمامى للتخصص فى مجالات عدة ولكن كان لدى ميل شديد للطب النفسى منذ دراستى الثانوية وما شدنى اليه رغبتى فى معرفة المزيد فى هذا التخصص, خاصة وأنه كان يدرس ضمن تخصص الطب الباطنى ثم أصبح تخصصا قائما بذاته من حيث المناهج والامتحانات. وكانت بداياتى فى هذ المجال منذ العام 1996

س: متى كان الاتجاه الى الحياة العسكرية .. وهل اضافت اليك ميزات اخرى عن الحياة المدنية؟
ج: اعلنت الشرطة عن وجود وظائف لاختصاصى فى الطب النفسى فى العام 2000 فالتحقت بها. العمل فى المجال العسكرى لا يختلف بالنسبة لى عن المجالات الاخرى, خاصة اننى لم اجد معارضة من اسرتى الكبيرة وربما يرجع ذلك لان شقيقى قد سبقنى للعمل فى الشرطة ونحن كذلك من قبيلة( الشايقية) التى تعرف بميلها الشديد للعمل فى الشرطة منذ وقت بعيد. كذلك وجدت الدعم الكامل من اسرتى الصغيرة و زوجى ثم تم استيعابى فى جامعه الرباط وكانت حديثة المنشأ حيث كنت العميد المؤسس لكلية التمريض حتى العام 2005 ولم انقطع عن ممارسة عملى فى الاشراف الطبى و علاج المرضى فى الوحدة الخاصة بى فى المستشفى. حيث واصلت عملي كاختصاصى فى الطب النفسى والتدريس فى كلية الطب بجامعة الرباط الوطنى ثم تم اختيارى للمرة الثانية عميدا لكلية” التقنية والعلوم الصحية” بجامعة الرباط الوطنى واسست فيها عددا من البرامج في درجة البكالوريوس فأدخلت فيها برامج لنيل البكلاريوس فى العلاج الطبيعى, علم النفس السريري و الجنائى والتغذية والتغذية الصحية والتخدير

س: انت من اسرة حققت نجاحات ملموسة فى عدة مجالات ….. حدثينا عن الدعم الذى وجدتموه من الأسرة الصغيرة والكبيرة للوصول الى هذا النجاح؟
ج: نعم وجدنا تشجيعا كبيرا من الوالد لمتابعة مراحلنا التعليمية وكذلك الوالدة كان لديها امنية عند زواجها وهى أن تمكن كل بناتها من إكمال تعليمهن حتى الجامعة لانها حرمت من ذلك بسبب التقاليد والاهل , وقد وجدت معارضة من الاسرة عند زواجى اثناء الدراسة الجامعية بسبب أن ذلك سيعيق مسيرتى التعليمية ولكن كان لدى اصرار قوى ان اكمل دراستى خاصة وان اغلب الفتيات من جيلى فى الاسرة جامعيات وموظفات.

س: بالانتقال الى مجال التخصص… نسأل دكتورة فتحية عن المخدرات, انواعها واثارها النفسية على المجتمع خاصة قطاع الشباب؟
ج: المخدرات هى آفة العصر وكل العصور وهى مشكلة تؤرق كل العالم وليس السودان وحده وفي السودان لم يكن هناك الى وقت قريب غير نوعين فقط من الادمان، الخمر او الحشيش( البنقو) والآن ظهرت أنواع عديدة من الحبوب التى يتم تناولها بالفم تؤدى الى الادمان وتسمى ” الخرشة” وكذلك تعددت انواع الحشيش من المحلى الى المستورد منها الشاشمنى والماريجوانا وخطورة هذه الانواع انها مركزة وذات تأثير قوى جدا وهناك ” القات” يأتى من دول القرن الإفريقى .

س: ما هو التأثير الطبى لتعاطى لمخدرات وخطورتها على جسم الانسان؟
ج: الإدمان ظاهرة موجودة فى كل الأعمار وفئات المجتمع ولكنها تتركز أكثر فى قطاع الشباب وتكمن خطورته فى عاملين الاول , ان فترة الشباب هى سن العطاء والعمل والابداع والثانى , هى ان تعاطى المخدرات ايا كان نوعها يؤدى الى طريقين لا ثالث لهما إما الادمان او المرض النفسى لانها تسبب ضررا كبيرا على المخ والجهاز العصبى للانسان او الاثنين معا بالاضافة إلى الآثار الاجتماعية المدمرة والمشاكل النفسية فى الدراسة والعمل. و الشخص المتعاطى للمخدرات يحدث له الكثير من الاعتلال فى الصحة والتغيرات فى الشكل الخارجى من ضعف و هزال قد يصل إلى حد الموت في حالة الادمان.

س: الإدمان…. ما هو وهل يحتاج الى دعم طبى علاجى ومساندة اجتماعية لتجاوز هذا الظرف الحرج وما هى مراحل العلاج وهل هي في متناول يد الجميع؟
ج: الادمان يعرف ويحدد بواسطة الاطباء والاختصاصين النفسين علميا بعدد من المواصفات وهو مرض مزمن قابل للانتكاس. والافضل ان يبدأ العلاج للشخص وهو فى حالة التعاطى قبل الوصول الى درجة الادمان ليتلقى العلاج الذى عادة ما يكون بواسطة مجموعة عمل تشمل رئيس الفريق وهو الاستشارى النفسى والمعالج النفسى والخبير الاجتماعى والممرض النفسى . فى حالة التعاطى قد يتوقف الشخص عن التعاطى , بقليل من الدعم والمساندة من الفريق المعالج والاسرة ولكن فى حالة الادمان لابد من اشراف طبى لأن الطبيب قد يحتاج اثناء العلاج إلى إعطاء المتعاطى بدائل شبيهة للمخدر حتى يستطيع الجسم الاستغناء عنها تدريجيا. ويفضل ان يكون العلاج داخل المستشفى فى حالة الادمان على الخمور والمنومات لتفادى بعض الاعراض الانسحابية التى تحدث احيانا وخطورتها انها قد تؤدى الى الوفاة .
العلاج فى السودان متوفرالى حد ما وبامكان الطبيب النفسى ان يقدم الخدمة العلاجية لحالات الادمان , كذلك يوجد بعض الجهات المتخصصة مثل اقسام علاج الادمان فى المستشفيات النفسية مثل مستشفى التجانى الماحى ومستشفى بحرى بالاضافة الى بعض المراكز الخاصة, منها ” مركز حياة” الذى يعتبر اول مركز فى السودان بمواصفات عالمية ويقدم فيه العلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي على مستوى عالى ومازلنا بحاجة الى تأسيس المزيد من هذه المراكز المتخصصة فى كل ولاية لتوفير العلاج .

س: دكتورة فتحية, الشباب شريحه هامة فى المجتمع وقد برزت ظاهرة تعاطى المخدرات فى الاونه الاخيرة بصورة مزعجة ولافتة للنظر برأيك ماهى الاسباب التى ادت الى انتشار هذة الظاهرة بتلك الصورة المزعجة هل هناك احصاءات رسمية بعدد المدمنين ومدى زيادة انتشار هذة الظاهرة فى الاونة الاخيرة؟
ج: لا علم لدى ولم أطلع على احصائية رسمية فى هذا الشأن , فى رأئي ان هناك زيادة وتحتاج الى الانتباه لها ولكن ليس صحيح ان يقال ان ” كل الشباب او كل الجامعات او كل الطلاب اصحبوامتعاطين للمخدرات ” بل ان هناك شباب يعملون فى علاج رفقائهم الشباب من حالات الادمان . وفى كل مكان وعصر” هناك الصالح والطالح ” . لذلك تعميم وتضخيم انتشار ظاهرة الادمان غير صحيح.

س: فى السابق عرفت ظاهرة الادمان وسط شرائح معينة فى المجتمع ذات التعليم المتدنى مثلا كيف تعللين انتقال الظاهرة الى الجامعات وفى اوساط المتعلمين؟
ج: نعم كان لدينا فى السابق عنبر صغير يسمى ” التأهيل او الادمان” معظم الحالات كانت من الرجال , ونادر جدا ان تأتى امرأة وكانت معظمهم من الدرجات الاقل تعليما فى المجتمع يكون الادمان فى الخمور او البنقو ولكن الان اختلف الامر ظهر العنصر النسائى واصبح هناك طلبة جامعات واطباء ومهندسين . لا ادرى ما سبب ذلك او ربما لان العالم تغير واصبح مفتوحا بدون ضوابط ونحن فى السودان جزء من هذا التغير. وقد يكون هجرة السودانين الى الخارج احد هذه العوامل وبالتأكيد ليس جميعهم.

س: النفس البشرية فيها الكثير من المتغيرات وتمر بالعديد من الاحوال التى يصعب السيطرة عليها ….هل يمكن ان نعتبر الضغوط النفسية او الاقتصادية التى تواجه الانسان من مسببات هذه الظاهرة ؟
ج: لا اعتقد , لان ظاهرة الادمان موجودة وسط الفقراء والاغنياء وقد يلجأ الاغنياء الى الادمان للبحث عن مزيد من المتعه الزائفة . وكذلك يوجد مدمنين متعلمين وغير متعلمين. ملاحظتى الشخصيه انه دائما ما تكون هناك مشاكل أسرية من طلاق وغيره فى حياة المتعاطى او المدمن وبالمقابل هناك مدمن من اسرة مستقرة وقد يكون اخاه سليما ومتعافيا عكسه تماما.

س: مصحة كوبر تقدم العديد من الخدمات فى مجال الطب النفسى …. ما هى نوعية الحالات التى ترد اليكم و عددها ونوعية الخدمات التى تقدم لهم؟
ج: نحن لا نحبذ هذا الاسم , الافضل ان تقولى مستشفى عبد العال الادريسى لانه للاسف كلمة مصحة والعلاج النفسى فى المجتمع السودانى ” وصمة أجتماعية” تلاحق المريض طوال حياته , بل فى السابق لم يكن هناك خروج من المستشفى . الان المستشفى كغيرها من المستشفيات الاخرى يقدم خدمات للمريض حتى يشفى ليخرج منها ويعطى الفرصة لمريض اخر . وهناك مرضى فى قضايا جنائية ينتظرون قرار القاضى . بالنسبة لنا فى المستشفى نقدم خدمة متميزة تهتم بالجانب الجنائى والشرعى ومن ياتى الينا اما ان يكون مرتكب جريمة او يٌخشى عليه من ارتكاب جريمة , وفى هذه الحالة لابد ان يكون بقرار من وكيل النيابة , لغياب قانون الصحة النفسية الذى هو فى مرحلة الاجازة الان فى مجلس الوزراء ثم الموافقة من المجلس الوطنى. والقانون يحمى المريض والطبيب المعالج.

س: حديثنا دكتورة فتحية عن هذا القانون واهميته؟
ج: القانون مهم جدا للحفاظ على حق المريض فى تلقى العلاج بدون ارادته الشخصية وكذلك يحمى الطبيب من المساءلة القانونية فى حالة ادخال المريض عنوة للمستشفى وفى تفاصيله ان يستعان بعدد ثلاث اطباء لتحديد حالة المريض ونوعية العلاج الذى يحتاج اليه.

س: ما هى اقسام المستشفى؟
ج: المستشفى به قسم خاص للحالات الجنائية ويشمل جرائم القتل والاغتصاب والاذى الجسيم وغالبا ما تكون محولة من القاضى بعد ان يتحقق من ان الشخص ليس بكامل قواه العقلية حيث يبقى حتى تتم معالجته ويستطيع الدفاع عن نفسه ثم يعاد الى القاضى لتتم محاكمته وقد يستدعى الطبيب بوصفه ” شاهد خبرة”لتحديد المسئولية الجنائية . كذلك يوجد قسم الحالات الحادة وتدرج فيه الحالات الجديدة عند دخولها وتختلف مدة البقاء فيه من مريض الى اخر حسب الاستجابة للعلاج والاستقرار والهدوء النفسى ثم عنبر حالات ما قبل الخروج والرابع هو عنبر النساء وتجمع فيه كل الحالات لان عددهم غير كبير وهناك عنبر لعلاج الادمان فى السابق والان فى مرحلة التأهيل واعادة التأسيس بصورة متطورة خلال العام الحالى او القادم ان شاء الله.

س: هل يتم العفو لمرتكب جريمة تحت تأثير المخدر يا دكتورة؟
ج: القاضى ادرى منى فى هذا ولكن لا اعتقد ان القانون يعفى مرتكب جريمة تحت تأثير مخدر.

س: سبق ان شاركتى فى العديد من المؤتمرات خارج البلاد… كيف تقيمين ظاهرة الادمان من حيث الانتشار والعلاج فى السودان … ما لها وما عليها؟
ج: السودان كغيره من الدول تأثر بظاهرة انتشار المخدرات ولكن لم يصل الى الحد المخيف مثل بعض الدول ومازلنا بحاجة الى انشاء مراكز لعلاج الادمان والى اطباء متخصصين فى العلاج وهم الان قلة فى السودان يعتبر ” مركز حياة” نموذج مشرف لانشاء المزيد من المراكز العلاجية وكذلك يوجد نقص فى كوادر الاطباء النفسين فى الولايات , صحيح انه يتم تخريج اعداد من الاطباء كل عام ولكن سرعان ما يتم استقطابهم للهجرة خارج البلاد , فالتخصص مرغوب بشدة.

س: صنف السودان مؤخرا بأنه ” دولة معبر” فى تجارة المخدرات … هل تسبب ذلك فى زيادة انتشار المخدرات ؟
ج: هذا قد يكون صحيح , لانه لابد من تسرب ولو جزء قليل من هذه البضاعة الى السوق المحلى ولكن عموما اغلب ” الضبطيات الكبيرة ” تكون عابرة والسودان ليس المحطة الاخيرة. ولعل من مشاكل السودان الحدود الطويلة والواسعة مع عدد من الدول المجاورة مما يصعب عملية المراقبة او منع دخول المخدرات

س: تزايدت فى الأونة الاخيرة نسبة النساء المتعاطيات للمخدرات وهناك من وصلن للادمان…. برأئك ما هى الاسباب التى ادت لذلك؟
ج: لاسف لم تكن هذه الظاهرة موجودة ونادرا مانجد فتاة او امراة تتعاطى ولكن الان هناك عددا من لحالات بل بعضها وصلن الى درجة الادمان.

س: للاسرة دور هام واساسى فى حماية ابنائها وبناتها من هذا الخطر الفتاك… ما هى رسالتك لها؟
ج: بالطبع دور الاسرة هام جدا وهناك مؤشرات يجب الانتباه لها وقد يكون يتعلل الابناء باختلاف الاجيال ولكن هذا لا يمنع ان تراقب الاسرة ابنائها , مثل البقاء فترات طويلة ليلا خارج المنزل و السلوك المتغير والعصبية والصوت العالى , التغيرات الجسمانية مثل النوم الكثير او السهر الزائد , الهزال واحمرار العينين والاخطر الاصدقاء غير المعروفين للاسرة . كذلك يجب الانتباه فى حالة العثور على مواد غريبة او حبوب دوائية مع الشاب . على الام والاب ان يحرصوا على متابعه كل ما يستجد على الابناء والاهتمام باحوالهم.

س: بعد ان عرفنا الاسباب ما هى الاليات التى يستطيع عبرها المجتمع والدولة الحد من هذه الظاهرة ؟
ج : لابد من تضافر الجهود بين كل الجهات المعنية فى هذا الشأن . على الدولة الحد من دخول المخدرات للبلاد , إدارة مكافح المخدرات لها جهود مقدرة فى ذلك. بالاضافة الى ان هناك انواع تتم زراعتها داخل السودان ” البنقو” كذلك منظمات المجتمع المدنى لها دور فى برامج التوعية والعلاج ايضا وزارة الصحة لها دور فى منع تسرب بعض العقاقير والأدوية الطبية التى يساء استخدامها حتى الوصول الى درجة الادمان مما يستوجب وجود قوانين صارمة تنظم بيعها فى الصيدلايات.

س: برأئك هل القوانين الحالية تعتبر رادعة؟
ج: هناك قوانين كثيرة قد لا اكون ملمة بتفاصليها ولكن القانون يفرق بين المتعاطى والمروج والتاجر الكبير وقد تصل العقوبة الى السجن 25 عام او الاعدام احيانا او تم القبض عليه اكثر من مرة . ورغم الرقابة الشديدة على ادوية العلاج النفسى الا انه يتم احيانا تزوير الروشتا ت الطبية او ختم الطبيب للحصول عليها وكثيرا ما يتعرض الصيادلة , خاصة النساء منهم لمشاكل من بعض المدمنين خاصة فى الورديات الليلية للحصول على هذه العقاقير.

أجرت الحوار: بلقيس فقيري
الخرطوم 2/ 6/ 2016م (سونا)