تحقيقات وتقارير

سعد الدين إبراهيم.. وكأنه اشترى دروب الغناء ورحل


“لا أحد يعرف الكثير عن الآخرين، لذلك أفضل ما يمكنه فعله هو افتراض أنهم مثله”. لعل اقتباساً كهذا من لدن الروائي الأمريكي (جون شتاينبك)، يصلح مدخلًا لاستعراض اليسير من سيرة الشاعر والصحافي الراحل سعد الدين إبراهيم، كونه اعتبره أكثر من مرة في غير لقاء وحوار صحفي، كاتبه المفضل بجانب نجيب محفوظ دون الكتاب الآخرين بمن فيهم الطيب صالح. وسعد الدين، لم يكن يعرف الكثير عن الآخرين، لكنه كان يحبهم كحبه للحياة، لأنه كان يفترض أنهم مثله.

(1)
والخميس 12 مايو المنصرم، رحل سعد الدين إبراهيم بقلب نابض بالحياة وحب الناس والأرض، رحل تاركًا سيرة نضيدة ونظيفة، سيرة من الإنسانية والإبداع تبدو ككتاب مفتوح مبذول للجميع، يا لها من رحلة باذخة ابتدرها هنا في أم درمان، حيث ولد ودرس مراحله الأولية ما بين بيت المال، والأميرية الوسطى، والخرطوم الثانوية العربية، ثم التأم في جامعة النيلين (القاهرة فرع الخرطوم)، وتخرج في قسم الاجتماع، والتحق بالتدريس من بعد، ثم الصحافة.. ثم صعد.

(2)
وما بين مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح وعديد الصحف اليومية بعمله كاتبًا راتبًا لعمود يومي مسوم بـ(النشوف آخرتا)، ورئيس تحرير للحرية، دنيا، والجريدة، ظل الراحل سعد الدين إبراهيم يمضي تتبعه غيمات، يمضي وكأنه يشتري دروب المتاعب، ويلوي أعنتها على رسغ الحروف ليس له إلا فتات من الصبر وقافيات الحب والحياة، إذ غنى له وردي، عركي، ومنى الخير و… والأيام تدور، والحياة تغلي كمرجل، ولا ينضب الشعر لكن يضيق الوطن، وتختنق الأشياء. وسعد يغادر لا هروبًا ولكن صعودًا إلى الملكوت، فالمدى هنا ضاق، وكأني أسمع بعضا من مظفر النواب، هنا والآن: “كأن المدى والهواء اختناق/ أأنت الوديع كالساقية/ ترابا غريبا أمض من القبر قد أنزلوك/ فوا غربتاه وبطش الظلام).

الخرطوم – عبد الجليل سليمان
صحيفة اليوم التالي