منى ابوزيد

مشروع خطوبة ..!


أين جيل شد الحزام على البطون لأجل رخاء الأجيال القادمة من جيل فك الحزام .. حسن حنفي ..!
نحن في حضرة رمضان بروحانياته الجميلة .. فلماذا لا نتحدث قليلاً عما فقدناه .. وما يمكن أن يبقى لنا؟! ..حكايات انتصار العولمة على الثقافات المحلية لم تقتصر على التكامل الاقتصادي وانتشار التنكولوجيا، ولم تحكم وثاق الهوية الثقافية فحسب، بل طالت الأمزجة والأهواء الشخصية، وتحكمت معاييرها الكلية في نظرتنا الجمعية لمفهوم الجمال .. أنظر مثلاً كيف قفزت العولمة فوق الخطوط الحمراء للعلاقات الثنائية الواقفة على أعتاب الزواج ..!
مقاييس الجمال التي تختلف من زمن إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى أصبحت رهينة لصورة عارضة الأزياء شديدة الهزال .. شديدة البياض .. حتى أصبح امتلاء الجسد وسمار البشرة من موجبات الشعور بعقدة النقص في عُقر دار الملامح الأفريقية .. فأصبحت بلاد القارة السمراء – ومن بينها السودان – هي أكبر مستهلك لمستحضرات تبييض البشرة ..!
أصبحت الفتاة التي لا تستخدم مستحضرًا لتبييض البشرة في مجتمعنا المحلي هي الاستثناء الشاذ الذي يؤكد القاعدة الراسخة .. النساء يقلن إن الرجال هم السبب .. فبياض لون البشرة وحسن الحضارة المجلوب بتطرية المكياج .. بات – اليوم – أهم مقاييس الجمال عند الرجل السوداني .. ووجدت حواء السودانية نفسها مضطرة للإذعان لشروط الرجل .. خاطبًا كان .. أم زوجًا لا يعوزه التأمل في ملامح الأخريات ..!
ثم هنالك الخطوبة العصرية .. وما أدراك ما هي .. في قصص القرآن الكريم .. استقى موسى عليه السلام لبنات شعيب من البئر ثم ذهب إلى الظل ليستريح داعيًا ربه – على استحياء – أن تكون إحداهما من نصيبه .. قال (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ) .. وهناك .. على الجانب الآخر في بيت شعيب (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمينُ) .. وهكذا فهم وليُّ الأمر مراد ابنته.. فبادر بخطبتها إليه (قالَ إِنِّي أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) .. وافق موسى عليه السلام .. وانعقدت الخطبة .. ثم اكتملت مراسم المصاهرة .. كانت تلك حكاية خطوبة .. بدأت بلقاء رجل وامرأة مصادفة عند حافة بئر ماء ..!
إذاً .. لا ضير ولا حرج في تأطير البوادر العاطفية برباط شرعي يمهد للزواج . . وهو رباط مذكور في القرآن – كما في خطبة سيدنا موسى – .. وهو مذكور في السُّنة التي بيّنت أحكامه وخطوطه الحمراء .. كما وأنه رباط اجتماعي منصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية .. ولكن ..!
هنالك تحولات جوهرية مُقلقة طرأت على تفاصيل علاقات الخطوبة في المجتمع السوداني خلال السنوات الأخيرة .. إذ وبعد أن كانت الخطوبة لا تتعدى – في الغالب الأعم – أن يحجز أحدهم مقعده في صالون المصاهرة .. أو أن يضع (طاقيته) خوفًا من أن يطمع غيره في من اختارها شريكة حياة .. صارت الخطوبة اليوم علاقة حميمة بين رجل وامرأة تخوّل خروجهما معًا .. وبقاءهما معًا لأطول الأوقات .. وتحت مختلف السقوف ..باتت الخطوبة اليوم حالة استشراف مُتعجِّل، ووقوف مُتسرِّع على تخوم الزواج .. وتحت سمع وبصر الأهل .. ومع سبق إصرار الفتيات وترصُّد الشباب .. في تجاوزات تذعن لأوامر القلوب وتتجاهل أحكام العقل حينًا .. ومحاذير الشرع أحيانًا .. فانتفح باب الخلوة – غير الشرعية – على مصراعيه .. ليدخل منه الشيطان .. فيخرج منه الخاطب في معظم الأحيان .. والنتيجة تفاقُم حالات الفسخ والفشل .. رغم مشاريع البياض .. والبودرة .. والأحمر ..!