تحقيقات وتقارير

الإمام الصادق ..يتجاهل احتمالاً خطيراً


ذكر الإمام الصادق المهدي في رسالة مطولة أنه بعد أن أتيحت له الفرصة لقراءة مخرجات اللجان الست في المؤتمر الوطني والحوار المجتمعي، وجد فيها تطابقاً مع مطالبات قوى نداء السودان.. لذلك هو مندهش وسعيد واعتبر مخرجات الحوار الوطني تمثل الهبوط الناعم الذي يدعو له.. واضح من كل ذلك ومقابلات الإمام الخارجية مع امبيكي وقوى أجنبية مثل فرنسا والمانيا- والتي قدمت مساعدات لعقد اجتماعات للمعارضة آخرها اجتماع باريس الذي حضرته معظم فصائل نداء السودان بما فيها الحزب الشيوعي- أصبح الإمام الصادق الآن يملك كل خيوط مقترح التسوية الدولية وازداد قناعة بها، معتمداً على مخرجات الحوار التي أتيحت له الفرصة لقراءتها، ولا أدري كيف تم ذلك وقد كررت أمانة الحوار الوطني أنها سرية ومحفوظة في خزائن لن تقدم إلا للجمعية العمومية.. عموماً يمكن أن تسرب المخرجات بطرق شتى.

لذلك مخاطبة الإمام الخيرة هي مقدمة وأرضية لعودته للساحة السياسية السودانية برؤية ومخاطرة غير محسوبة- مخاطرة لأن قدومه وقبوله بمخرجات الحوار تقسم قوى نداء السودان بصورة حادة.. قطعاً أحزاب قوى الإجماع في نداء السودان سوف تختلف وتقاطع وهي الأحزاب الاتحادية، والحزب الشيوعي، وبعض أحزاب البعث، ويحدث قدوم الإمام وطرح مبادرته المتوافقة مع الحوار الوطني شرخاً فاصلاً الى الأبد بين فصائل نداء السودان التي سوف تتوافق مع الإمام الصادق وبين الفصائل الرافضة المتمثلة في قوى الاجماع الوطني.

عليه ستكون المعارضة منقسمة الى أربع جبهات (اثنتان عسكرية واثنتان مدنية)- العسكرية بالطبع هي حركات دارفور المسلحة المتمثلة الآن فقط في العدل والمساواة بقيادة د. جبريل، وتحرير السودان بقيادة مناوي، وتحرير السودان بقيادة عبد الواحد، ثم الحركة الشعبية قطاع الشمال المتمثلة في الفرقتين 9، و10 في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. تحركات الإمام الصادق الأخيرة ستعيد المعارضة المدنية والعسكرية الى المربع الأول، وذلك بكتابة نهاية مؤكدة لنداء السودان، ونهاية أيضاً مؤكدة للجبهة الثورية، وتعود الإنقاذ الى مواجهة أربع جبهات غير متفقة- الإمام الصادق سوف يعود محاولاً تسويق الهبوط الناعم أو التسوية عند الأوروبيين وأمريكا، وسوف يمتع نفسه بالدهشة الحقيقية عندما يعلم أن الإنقاذ أذكى وأعمق من أن تقبل الهبوط الناعم أو التسوية التي تضعفها أولاً تمهيداً للتفكيك.. أهم عناصر الهبوط الناعم او التسوية هي فصل السلطات واستحداث منصب رئيس وزراء وحكومة تتولى كل السلطات التنفيذية ويطالب الإمام برئيس وزراء متفق عليه (يعني بالضرورة ما مؤتمر وطني)- موقف الحكومة أو الإنقاذ أو المؤتمر الوطني واضح في طرحهم المتمثل في أنهم لن يتخلوا عن قيادة القطار التي بدأت منذ 1989 بعربات بضاعة محدودة لتحقيق أهداف معينة، تمت إضافة عربات درجة أولى وثانية لاستصحاب أحزاب معارضة توالت معها، ثم عربات نوم فاخرة لاستقطاب قيادات حزبية أخرى رفيعة حسباً ونسباً، والإنقاذ لا مانع لديها في إضافة عربات نوم أخرى فاخرة لقيادات جديدة في القصر، وعربات درجة أولى في مجلس الوزراء الاتحادي، ودرجة ثانية لوزارات الولايات طالما أنها في قيادة القطار.

كل هذه الاجتهادات والوعود من الإمام الصادق والمجتمع الدولي تعتبر خلاصة كافية من حيثيات غير كافية- كما قال بروفيسور التيجاني الماحي في جامعة الخرطوم عام 1966 بقاعة الامتحانات في مناظرة بينه وبين تلميذه الدكتور طه بعشر رحمهما الله- وكانت المناظرة بالانجليزية عن هل الدعارة ضرورة اجتماعية (Is prostitution a Social necessity) وكان بروفيسور التيجاني الماحي وهو مشهود له بالاستقامة والسلوك الرفيع في كل شيء كان مع رأي أن الدعارة ضرورة اجتماعية، لأنه كما قال منعها بالقانون أكثر خطورة على المجتمع من السماح لها بالقانون.. لأن القانون يجعل هذه الشريحة تعيش في مناطق جغرافية محددة ومعزولة لا تختلط بباقي أفراد المجتمع، ولا تؤثر فيهم.. ولكن الدعارة السرية تتعمق وتنتشر بين الأحياء وأفراد المجتمع، وتؤثر تأثيراً بليغاً في انتشار السلوك غير القويم داخل الأسر التي لم تكن لتعرف سلوك هذه الشريحة لولا تداخلها معهم في السكن.. تلميذه د. طه بعشر أورد أسباباً وخلاصات الى ضرورة منع الدعارة بالقانون هزمه بروفيسور التيجاني الماحي عندما قال: (You have drawn Sufficient Conclusion From Insufficient Premises) (يعني أنت توصلت الى خلاصة كافية من حيثيات غير كافية).. نفس الشيء الإمام الصادق توصل الى خلاصة كافية لعودته والدعوة الى الهبوط الناعم لكن من حيثيات وواقع غير كاف، لأن الطرف الأقوى الذي يملك خيوط الحكم- وهو حكومة الإنقاذ- غير موافق على التسوية أو الهبوط الناعم، ولتأكيد مخطط التفكيك يقول الإمام: (الآن إمرأة السودان حبلى فإما أن تضع الجنين بصورة طبيعية أو تُجبر بعملية قيصرية انتفاضية).. تجاهل الإمام احتمالاً ثالثاً في حيثيات الهبوط الناعم وإمرأة السودان الحبلى وهو الحمل الكاذب- وحينها لن تكون هناك حاجة الى ولادة أساساً قيصرية أو طبيعية، ونسي أيضاً الحمل خارج الرحم الذي يتطلب عملية جراحية معقدة بواسطة أجهزة ومعدات من خارج السودان.. هذا جانب المعارضة المدنية.. أما المعارضة المسلحة المتمثلة في فصائل قطاع الشمال وحركات دارفور- حركات دارفور كانت تأمل في ركوب قطار التسوية صدمت بتأكيد عدم فتح ملفات الدوحة عند مقابلتهم ال محمود في الدوحة الأسبوع قبل الماضي، وصدمت في تصريحات د. أمين حسن عمر يوم الأربعاء الماضي 8 يونيو بتأكيد عدم فتح أو إضافة شولة لمخرجات اتفاق الدوحة.. لذلك ستعود الى القتال وتنظيم نفسها بدعومات خارجية من القوى الخفية التي تسعى الى تقسيم السودان عبر تصعيد أزمة دارفور، ومنع الوصول الى حل ودي حتى يتدخل مجلس الأمن ويهيئ الملعب للتقسيم.. كذلك الحركة الشعبية قطاع الشمال بدأت تجأر بالشكوى من قصف جوي في جنوب كردفان وعمليات عسكرية واسعة من قوات الدعم السريع في النيل الأزرق، أيضاً سوف تتلقى دعماً عسكرياً يعيد التوازن الذي يؤجج نيران المعارك ويزيد معاناة المدنيين ويحتم تدخلاً دولياً ذكياً.. المعارضة تمسكت بالهدف الذي لا تستطيع تحقيقه وهو إزالة النظام بالإقتلاع أو الهبوط الناعم، وتركت الهدف الذي تستطيع تحقيقه وهو توعية الجماهير وتوحيدها عبر طرح مشروع متكامل لتحقيق مصالحة وطنية شاملة وفيه برامج ودراسات للطريقة المثلى لحكم السودان، وبرنامج لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، وبرنامج آخر لاستدامة اقتصاد قوي معتمد على الموارد المتجددة مثل الثروة الزراعية والحيوانية، حتى تقنع الغالبية العظمى من الشعب والجالسين على الرصيف، وهم الذين يحدثون التغيير والأحزاب لن تحدث أي تغيير في الحكم.. هل يمكن التوصل الى مشروع حكم ديمقراطي بدون أحزاب، وتعديل ديمقراطية العالم الأول التي لا تتناسب إطلاقاً مع العالم الثالث بصفة عامة والسودان بصفة خاصة- نجاح ديمقراطية العالم الأول يعود لتوفر عناصرها الثلاثة التعليم، والمعرفة، والحرية الفردية.. وكلها غير متوفرة في السودان الذي به الأمية والجهل وغياب حرية الفرد بسبب الطائفية والعقائدية والقبلية.

تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة