الطيب مصطفى

رحم الله محمد علي كلاي


كنت أعجب من البصيرة النافذة والهدوء العجيب والطلاقة والفصاحة المدهشة التي أوتيها وهو يجيب عن الأسئلة المفخخة التي يقذفها محبوه ومبغضوه من الناقمين من تحوله إلى الإسلام وبعد تمعن في سيرته زالت الدهشة فالرجل لم يعتنق الإسلام انفعالاً بعصبية عرقية أو ميراثاً من والد أو أهل إنما فعل ذلك جراء اعتقاد راسخ انقدح في قلبه وعقله رغم أن شهرته التي بلغت الآفاق وعمت العالم كانت تدعوه إلى التريث حتى لا ينفض المعجبون المنتشرون في شتى أرجاء العالم من حوله، خاصة في محيطه الجغرافي، غضباً من انحيازه المفاجئ إلى دين جديد وغريب على المجتمع الأمريكي في تلك الأيام من سبعينيات القرن الماضي.

إنه رجل مبارك ومبروك وهبه الله تعالى بنجوميته المذهلة للإسلام ليذود عنه وينصره في عالم متحامل وزمان بات فيه المسلمون يرزحون في مستنقع العدم وقاع الدنيا بعد أن أضحت دولهم محط ازدراء العالم تخلفاً وانحطاطاً وتبعية.

أعجبنا به في حلبات الملاكمة خلال سبعينيات القرن الماضي بعد أن حببنا والعالم أجمع في اللعبة بحيويته الدافقة وأدائه الرشيق وعبارته اللطيفة التي رددها العالم أجمع من خلفه :-

(يحوم كالفراشة ويلسع كالنحلة) (Floating like a butterfly and stinging like a bee) واعتنق الإسلام وهو في قمة مجده وشهرته المتوهجة ليخلع ذلك البريق على الإسلام الذي كان في تلك الأيام غريباً لم يبلغ من الانتشار ما بلغه اليوم.

عندما سئل ماذا سيفعل بعد التقاعد من الملاكمة أجاب أنه سيتفرغ للدعوة إلى الإسلام وقد كانت دعوته فتحاً لدينه الجديد الذي دخله كثيرون استجابة للرجل الكبير صاحب المواقف المبدئية التي أذكر منها فقط على سبيل المثال رفضه للغطرسة الامبريالية الأمريكية التي تبدت في حروبها الظالمة بما في ذلك غزو فيتنام الذي اتخذ منه موقفاً نال إعجاب كل الشعوب في شتى أنحاء العالم ودفع الرجل ثمن موقفه سجناً وتجريداً من اللقب كما وقف مع الحق الفلسطيني ومع كل قضايا حقوق الإنسان.

شيّعته أمريكا يوم الجمعة الماضية كبطل عظيم وكان من أكثر ما لفت نظري حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. ذلك العظيم الذي شد الرحال إلى أمريكا ليشارك في مواراة محمد علي الثرى وكم هزتني صورة أردوغان وهو يحمل النعش على كتفه.. بأيهما بربكم أعجب في هذا المقام؟ أبالبطل الأسطوري الذي أعز الله به الإسلام (محمد علي) أم بأردوغان ناصر الدين ومجدده في عصر ذبوله وانكفائه؟!

من حسن حظ السودان أن وطئت قدما محمد علي أرضه وتجول في عدد من مدنه فهنيئاً لمن قابلوه وتمتعوا بصحبته ومرافقته.

رحم الله تعالى محمد علي الذي كان مهموماً على الدوام بالخوف من عدم دخول الجنة.. اللهم ارحمه وادخله جنتك التي لطالما تاق إليها وعمل من أجلها.