زهير السراج

هنيئا لكم بالفشل !!


كشف والي الخرطوم في اجتماع مع بعض الصحفيين عن اتجاه للتعاقد مع شركات نظافة أجنبية للقيام بأعمال النظافة وجمع النفايات بولاية الخرطوم، لفشل الشركات المحلية في أداء المهمة، وجريها وراء المال فقط، حسب الوالي !!
* صدقت سيدي الوالي، فقد تحولت الخرطوم إلى (كوشة كبيرة) حتى في أهم مناطقها وشوارعها الرئيسية، ولولا ارتفاع درجة الحرارة وعدم هطول الأمطار في هذا الوقت من العام، لتحولت الخرطوم الى مستنقع ضخم وبؤرة أمراض شديدة الخطورة، تزيد الأحوال سوءاً على السوء الذي يعاني منه سكان الولاية .. فقر وشظف عيش وعطش وظلام وارتفاع أسعار الدواء وسوء الخدمات الصحية، ثم انتشار الهوام والأمراض الوبائية الفتاكة سريعة الانتشار !!
* تخيلوا كيف كان سيكون حال الخرطوم مع أكوام النفايات الغارقة في مياه الأمطار، وانتشار الأمراض والفقر الذي يقف حائلاً دون حصول غالبية المواطنين على الغذاء دعك من مقابلة مصاريف العلاج الباهظة؟!
* أي شركات أجنبية تريد التعاقد معها سيدي الوالي لنظافة الخرطوم، والبلاد تعاني من ضائقة اقتصادية حادة، وشح شديد كبير في الموارد لدرجة أن الدولة عاجزة عن توفير الاحتياجات الأساسية، فمن أين تأتي بالأموال التي تدفعها لشركات النظافة الأجنبية، أم إن ما يقال عن شح الموارد هو مجرد ذر للرماد في عيون المواطنين حتى تبرر الحكومة تضييقها عليهم، وتبديد المال على رفاهيتها وملذاتها؟!
* وحتى لو كانت البلاد في نعيم، تكتنز خزائنها بالمال، وتنتفخ كروش مواطنيها بالطعام، فهل من الحكمة استئجار شركات أجنبية للقيام بعمل سهل لا يحتاج إلى تكنولوجيا معقدة، أو مديرين وعمال مهرة من الصين، أم إن الترف الذي تعيشون فيه جعلكم تنسون أيام تمزيق الفواتير، والأناشيد الصاخبة التي تنادي بحرق الروس والأمريكان و(ما دايرين دقيق فينا قمحنا كتير بكفينا) .. وصرتم تفكرون في استجلاب الأجانب لكنس قصوركم وشوارعكم ومدنكم العاجية، ويرضون طموحاتكم النرجسية !!
* النظافة سيدي الوالي، تحتاج إلى من يعرف معنى النظافة بمفهومها الكبير، وليس مجرد كنس الشوارع ونقل النفايات، هي ثقافة سيدي، ثقافة حكومة وثقافة شعب بأكمله، ولكن من أين لكم الوقت لتثقيف أنفسكم وشعبكم بمعنى النظافة وأنتم تركضون كل الوقت وراء حطام الدنيا الزائل وتضخيم أنفسكم؟!
* النظافة سيدي الوالي أن يكون الشخص نظيفاً في ملبسه، وفي مسكنه، وفي الحي الذي يسكن فيه، وفي الشارع الذي يسير فيه، وفي المكان الذي يعمل فيه، وفي المكان الذي يرفه فيه عن نفسه، وفي غدوه ورواحه وسلوكه، وفي إيمانه فعلاً، لا قولاً، بأن النظافة من الإيمان!!
* إذا عم هذا الفهم أيها الوالي الهمام، فلن نحتاج لشركات نظافة أجنبية تنظفنا وتغسل أدراننا، وإنما لشركات وطنية مؤهلة ذات إمكانيات وخبرة، وإدارة مدركة لما تفعل، وتفهم جيداً أن هنالك (حساب وعقاب)، لا شركات يصفها المسؤول الأول بالفشل، ثم يتركها تمارس فشلها في الناس، وهي سعيدة بهذا الفشل الذي يجلب لها الأموال الضخمة وينأى بها عن الحساب!!
* لا بد أن تكون هذه الشركات فاشلة، سيدي الوالي، إذا كان الفشل يحقق لها كل هذ الثراء والسعادة، فهنيئاً لكم ولها بهذا الفشل !!
الجريدة