عثمان ميرغني

(العقل) لا (العضل) لحراسة الجامعة!!


إذا وافقت الحكومة اليوم على تشكيل (شرطة الجامعات).. لحسم التفلتات الطلابية.. فسيأتي يوم تُعلن فيه الحكومة تشكيل (شرطة مدارس الأساس) لحماية التلاميذ الصغار من الشغب الطفولي.
في أخبار الأمس أنّ قيادة الشرطة استمعت لتنوير حول فكرة تأسيس (شرطة الجامعات).. لتأمين الحرم الجامعي وحماية المُمتلكات وأرواح الطلاب من التوترات السياسية الطلابية التي تنشب أظافرها بين الحين والآخر وتقتات بأرواح بريئة وتؤدي لإغلاق الجامعات فترات طويلة تضيع عمراً دراسياً غاليا ً لشبابنا المُنتظر.
فكرة (شرطة الجامعات) فيها خللٌ كبيرٌ.. فالسؤال البدهي.. هل يحرس الجامعات قوة (العضل).. أم رشد (العقل)؟
قد نحتاج لـ(قوة) الشرطة في ملعب كرة القدم أمام جمهور من مُختلف المُستويات العقلية.. سهلٌ أن يخرج عن الوعي وينزلق إلى عُنف مهلك.. لكن الجامعات حاضنات تربوية وتعليمية تعني بشحذ العُقول الشابة بالمسلك الرشيد.. في بيئة معافاة من العنف أو مظاهر (كبح العنف)..
عادةً في بوابات السجون الخارجية تُوضع لافتة مكتوب عليها (السجن إصلاح وتهذيب).. إشارة إلى (نوع) وصنف (التهذيب) الذي تُمارسه السجون.. تحت رهبة القوة.. لكن الجامعة مُؤسّسة تزرع السلوك الرشيد في تربة التربية والقدوة والبيئة الحاضنة لهذه العقول البريئة.. فهي ليست سجوناً..!!
إحساس الطالب في الجامعة أنه يتعلّم تحت حماية (شرطة الجامعات) يَرسخ في نفسه قيم الخوف من القانون لا احترام القانون.. فيتخرّج مَخفوراً في سلوكه بعين القوة الحارسة.. لا الضمير الحارس..
وفي المقابل، فإنّ الشرطة السودانية مشغولة ومهمومة بمسوؤليات جسام.. فهي تحرس القانون بأعين لا تنام في كل شبر من الوطن.. فلماذا نشغلها أكثر ونضع فوق أكتافها مزيداً من الهموم التي قد تَستغرق قدراً من قوتها وهمتها على حساب أولويات أخرى..
الأجدر أن نُعلِّم هذه العقول الشّابّة السلوك الحضاري في بيئة حاضنة نظيفة – وهل هناك بيئة أفضل من الجامعات لهذه المهمة – لا حاجة لشرطي يحمل السلاح ليحمي معامل الكليات وقاعات المُحاضرات وأركان النّقاش.. فنترك المهمة لضمير مُتحَضِّر نزرعه في الطلاب.
وفي كل الأحوال.. لن تحل الشرطة مشكلة العنف في الجامعات.. وعندها ستفكر الحكومة في (جيش الجامعات) فتطلب من المُؤسّسة العسكرية تولي هذه المهمة.. ولن يكون مُدهشاً رؤية (دبابة) أمام بوابة الجامعة إذا استطال العنف إلى درجة تتطلّب مثل هذا المُستوى من (القوة) الفارضة للقانون..
(العُنف الطلابي) يُمكن حله بمزيد من تشخيص العلة.. وفرض (احترام القانون) بالسلوك والتربية..
ليت وزارة التعليم العالي توقف أيِّ تفكير في إنشاء (شرطة الجامعات).. مُخجلٌ جداً أن تصل سُمعة جامعاتنا إلى هذا المدى!!