الطاهر ساتي

رسوب نهج ..!!


توماس إديسون، مخترع المصباح، غير باختراعه هذا و إختراعات أخرى (حياة الكون).. توماس في المدرسة، إعتبره الأساتذة غير قابل للتعلم، ولم يبق بالمدرسة غير ثلاثة أشهر فقط لا غير ..فالناظر بالمدرسة حكم على التلميذ توماس بالغباء والتخلف، ثم فصله .. وعاد إلى المنزل حزيناً، ليجد أعظم مدرسة.. والدته..أعادت إليه الثقة، ثم ربته وعلمته بحيث يكون أعظم مخترع في تاريخ البشرية .. توماس لم ينس أثر هذه المدرسة العظيمة في حياته، إذ يقول : ( أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترمني، وتثق بي، وأشعرتني أنني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط) ..!!

:: وبهذا القول لم يوثق توماس فقط أفضال والدته عليه، بل وثق أيضاً عوامل النجاح وأركان التفوق وأضلاع مثلث النبوغ في الحياة .. الإحترام و الثقة ثم الإحساس بالعظمة، هذه هي أضلاع مثلث نجاح التلميذ توماس، وكل تلاميذ الكون ..وقلتها في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات عندما تم الإعلان عن نتائج الشهادة السودانية، وعدتها قبل ثلاث سنوات، ولا زلت عليها إلى أن يأتي إلى القوم رشيد ويعدل بين تلاميذ السودان ..فالحكومة منذ عقد ونيف، بلا دراسة وبلا مرعاة للجوانب النفسية وبلا إمتثال للمبادئ الأخلاقية، ترتكب جريمة في حق التلاميذ بتقسيم مدارس الناس والبلاد إلى مدارس نموذجية و أخرى جغرافية ..!!

:: فالمدارس النموذجية بالمرحلة الثانوية، سنتها ولاية الخرطوم في العام الدراسي ( 1994 – 1995)، وإستوعبت فيها، ولا تزال، الطلاب المتفوقين في إمتحانات مرحلة الأساس، لتنافس مدارس الحكومة مدارس القطاع الخاص في مثل هذا اليوم .. قانونياً وأخلاقياً، ليس هناك ما يمنع جمع المتوفقين في مدارس محددة ومسماة بالنموذجية .. ولكن، ليس من العدل ولا كل مكارم الأخلاق، أن تتفرغ سلطات التعليم لهذه المدارس النموذجية، بحيث تشرف وتراقب بيئتها التعليمية ثم تمدها بالكفاءة و كل العدة والعتاد الذي يوفر للطالب (مناخ النجاح)، ثم تدع المنسيون في المسماة بالمدارس الجغرافية للضنك و ( مناخ الفشل)..!!

:: (الطلاب ذوي المستويات الأدنى يؤثرون على الطالب المتميز ويضعفون مستواه، والصفوة المتميزة عندما تكون مع بعضها تسير الى الامام)، إنها الفكرة الخبيثة التي يتكئ عليها كل هذا الظلم .. هذا الطفل القادم من مرحلة الأساس، والمسمى بالمتميز، إلى مدرسة حكومية نموذجية، يحظى بالإدارة المهنية والكادر المؤهل والكتاب والأنشطة الثقافية والفصول المثالية من ميزانية الدولة التي يساهم فيها كل أفراد الشعب، أي يحظى بالإحترام والثقة والعظمة، فينجح وتتصدر مدرسته الحكومية قائمة ( الأوائل)، وهذا حق مشروع، قانونياً وأخلاقياً .. !!

:: بيد أن الطفل الآخر، والقادم من مرحلة الأساس أيضاً، إلى مدرسة حكومية جغرافية، فإن وجد المعلم لا يجد الكتاب، وإن وجد الكتاب لا يجد الفصل، وإن وجد الفصل لا المعلم، أي لا يجد الإحترام و الثقة و لامجرد الإحساس بأنه إنسان، وناهيكم عن العظمة .. وعليه، عندما تتباهى سلطات التعليم بدخول بضعة مدارس نموذجية في قائمة الأوائل بتفوق بعض تلاميذها، فعليها ألا تنسى بأنها ظلمت آلاف المدارس الجغرافية وإنهكت حقوق الألاف من تلاميذها بحرمانهم من عوامل التفوق وبهدم أضلاع مثلث النجاح على رؤوس طموحات أسرهم ..فلا تكتئبوا أيها المنسيون في العراء، فأنتم أذكياء أيضاً، وكل ما في الأمر أنكم بحاجة إلى سلطات لا تهدم أضلاع مثلث النجاح ..!!