الصادق الرزيقي

صحراء “التيه السياسي”


> هل هناك خيار أمام قوى نداء السودان غير الانضمام الى الحوار الوطني والتوقيع على خارطة الطريق؟.. ففي الاجتماع المقرر اليوم بأديس أبابا -إن لم يلغ- ودعا له المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، ليس هناك أي هامش كبير للمناورة، فتحالف نداء السودان يقف على حافة الخلاف، وربما ينتهي يوم الخميس هذا ولا نجد شيئا يسمى نداء السودان، نظرا لحجم الخلافات المبطنة والانتقادات الصريحة التي بدأ يتبادلها أعضاء هذا التحالف الممزق، كما أن الظروف التي تحيط بالقضية السودانية غير مواتية لمزيد من التصعيد والرهان على الفراغ، فالمعارضة السودانية بدت أكثر عجزا وأقل فاعلية من القوى الدولية نفسها التي لا تنشغل هذه الأيام بما يدور في الداخل السوداني ولا تعطيه أهمية كبرى مقارنة بقضايا دولية وإقليمية أخرى . > ويشير مسؤول أوروبي رفيع لعدد من السفراء العرب في عاصمة أوروبية مؤثرة إلى أن الأوضاع في المنطقة ومحاربة الإرهاب بعد عمليتي (أورلاندو و وليميرو) بفرنسا الأخيرتين، لن تتركان مجالا قط لقضية أخرى لتكون ضمن اهتمامات الحكومات الغربية، ولذا فإن جل الاهتمام الغربي اليوم ويتبعه الإقليمي، هو لملاحقة ظاهرة الإرهاب والبحث عن سبل تعاون دولي وإقليمي لمواجهته، وقد اتضح أخيرا أن السودان عنصر مهم في منظومة محاربة الإرهاب، وتصف تقارير رسمية غربية أن البلد الوحيد في المنطقة المؤهل للعب دور بارز في احتواء ومحاصرة ظاهرة الإرهاب العابر للقارات هو السودان، لأن الدولة فيه قوية بما يكفي لتجنب شرور هذه الجماعات، ولا يوجد فيها نشاط إرهابي تقوم به أي من الجماعات المعروفة .. > هذا التقييم يضع السودان في منصة متقدمة على الاقل في موضوع الحرب على الإرهاب، رغم أن التحفظ السوداني حول تعريف الإرهاب ظل قائما وواضحا، والمطالبة بعدم توظيف هذه التعريفات الغربية للإرهاب لخدمة أهداف أخرى والتسلق عليها لتبرير أفعال لا تمت بصلة لعملية محاربة الإرهابيين، فما يدور الآن في أصعدة مختلفة بين السودان وأعضاء بارزين بالأسرة الدولية في ملف الإرهاب وغيره. وبالنظر لحالة الاستقرار السياسي والأمني في السودان مقارنة بدول عديدة في المنطقة خاصة جواره العربي والأفريقي، يعضد فرضية أن هناك حرصا بالغا ولو مرحلي للإبقاء على حالة السودان كما هي دون الحاجة إلى خضات وهزات عنيفة عبر العمل المسلح تخلق مزيدا من البلبلة في المنطقة برمتها . > قوى نداء السودان في حاجة إلى قراءة المشهد بأبعاده المختلفة، خاصة أن الاهتمام بالقضايا السودانية الداخلية في تراجع مستمر وستتوسع دائرة هذا التراجع مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فدوائر الحكم في الولايات المتحدة لا تبدو منتبهة أو متفرغة لأي شواغل أخرى غير الداخل الأمريكي. فواشنطون التي تتولى قيادة المجتمع الغربي والأكثر تأثيرا في العالم، لن تنشغل بقضايا المعارضة السودانية ولا الوضع في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الازرق) أو دارفور، أو ما يسمى بخارطة الطريق. > ولذلك دعوة السيد دونالد بوث للمعارضة السودانية، هدفها على الأقل إبلاغ هذه الرسالة أو وضع كل قضايا السودان في ثلاجة حتى ينجلي غبار الانتخابات الأمريكية وتأتي إدارة جديدة تتولى إدارة ملف السودان والتقرير بشأنه، وربما تكون النصيحة الأمريكية الواضحة هنا لــ(شذر مذر) المعارضة التي قد تلتئم اليوم في أديس أبابا، هي البحث عن أفضل الخيارات السياسية الممكنة والدخول في حوار مع الحكومة والموافقة على خارطة الطريق والقبول بقسمة جيدة في السلطة تعيد المعارضة الى الداخل .. > إذا فكرت أحزاب المعارضة في أي خيار آخر غير الالتحاق بخارطة الطريق والانضمام للحوار، فأنها ستواجه حقيقة لا مفر منها وهي نهاية التحالف وسيمضي كل منهم الى طريق، فالسيد الصادق المهدي وجهته ستكون الخرطوم، ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ستكون محطتهما النهائية الخرطوم أيضا ولكن عن طريق الدوحة. وسيبقى قطاع الشمال وعبد الواحد نور في متاهة طويلة، ولا يعرف أحد إلى أين تمتد صحراء التيه السياسي.؟!