الطيب مصطفى

شاهد على العصر


ما أظن أن هناك شاهداً على العصر فيما يتعلق بالحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها منذ أن تسنم قيادتها أفضل أو أصدق من شيخها د. حسن الترابي بالرغم من أنه قال في حديثه لقناة الجزيرة الفضائية إن اختيار شيخ علي عثمان محمد طه في منصب نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية تم لاعتبارات تنظيمية بحتة ولم يكن ذلك متعلقا بقدراته.

هذه المقولة أثارت الشيخ مبارك الكودة وهو كذلك شاهد على العصر متابع لكثير من التفاصيل في مسيرة الحركة الإسلامية مما دفعه لكتابة المقال التالي الذي دافع فيه عن شيخ علي وتحدث عن قدراته حديث العارف المتابع لسيرته.

أقول قبل أن أتيح الفرصة للأخ الكودة إنني اعتبر نفسي شاهداً على بعض تفاصيل سيرة علي عثمان الذي عاصرت بعض إسهاماته في مسيرة الحركة الإسلامية وأجدني متفقا مع كل ما قاله الكودة وأضيف أنني مندهش بحق من تحامل كثير من قيادات المؤتمر الشعبي على شيخ علي الذي حُمل النصيب الأكبر من المسؤولية عن المفاصلة بالرغم من أنه لم يكن جزءا من مذكرة العشرة ولم يكن جزءا من بيان الرابع من رمضان وأعلم أن الناقمين على شيخ علي تحركهم خيبة أمل دفينة جراء انحيازه لمعسكر القصر رغم أنه كان الرجل الثاني في الحركة الإسلامية ومن أقرب القيادات للشيخ الترابي.

كتبت كثيراً عن شيخ علي منتقداً اتفاقية نيفاشا التي كان عرابها الأول لكني لم أشكك في أي يوم من الأيام في قدراته القيادية ذلك أن تلك المؤهلات المتميزة هي التي رفعته مكاناً علياً واسمحوا لي أن اترككم مع شهادة الكودة:

إذا كان شيخنا د. حسن الترابي رحمه الله وأحسن إليه شاهداً على تاريخ السودان المعاصر ومؤسساً للحركة الإسلامية الحديثة وعالماً بأسرارها في السودان ، فقد كنت من الذين شهدوا على العصر الذي رشح فيه الشيخ الترابي الأخ علي عثمان محمد طه لمنصب نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية ٠

لم يكن حديث الشيخ حسن دقيقاً في الحلقة الثامنة من شاهد على العصر، حين قال إن ترشيحه للأخ علي عثمان لنائب الأمين العام للجبهة الإسلامية لم يكن عن معرفة لقدرات إنما جاء الاختيار لاعتبارات تنظيمية بحته،اقتضت فقط الدفع بقيادات شابة، وهذا بالطبع تجاوز لإمكانات وقدرات الأخ علي عثمان التي لا تحتاج لشهادة منا فقد كان الرجل حاضراً عندئذٍ بتاريخه وكسبه وعلمه٠

كما لم يكن اختياره لهذا التكليف سهلاً، فقد كان مخاضاً عسيراً بذل فيه الشيخ حسن رحمة الله عليه مجهوداً جباراً لتحقيقه، متجاوزاً بذلك تطلعات أقرانه خاصة الذين تلقوا دراساتهم العليا في الغرب، ومتجاوزاً كذلك عدداً من الشيوخ الذين يَرَوْن أن هذه الخطوة غير متفق عليها إنما هي فكرة خالصةً ورغبةً ملحة من الشيخ ، جند لها عدداً كبيراً من الإخوان على رأسهم الشيخ الجليل يس عمر الإمام رحمة الله عليه ، والذي كان حينها نائباً للأمين العام ،وقد كنت شاهداً حينما قدم الشيخ يس عمر مرافعة مؤسسة في حق الأخ علي عثمان وهو يرشحه لهذا المنصب وقد وجد حديثه قبولاً ، واستحساناً، من غالبية الحضور٠

لست عاتباً في هذا المقال على الشيخ حسن ولا أقول إنه قد جانب الصواب فيما قال ، ولكن جاء مقاله ظنياً، ويقبل التأويل القادح في كسب الأخ علي عثمان والذي عرفناه كرجلٍ ثانٍ فعلا لا قولاً في التنظيم قبل أن يتم تكليفه كنائب للأمين العام، فالاخ علي عثمان لم تعرفه الحركة الإسلامية بعد تكليفه بمنصب نائب الأمين العام وتشهد على ذلك سيرته الذاتية ، قبل شهادتنا له ، فقد كان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام ١٩٦٧ وكان مسؤولاً عن العمل الطلابي على مستوى القطر ويعتبر هذا التكليف من أخطر المهام التنظيمية في الحركة ويُعوّل عليه كثيراً ويشرف عليه الشيخ حسن بنفسه ولا يكلف به إلا من كان مكان ثقة، ثم انتخب في العهد المايوي لثلاث دورات لمجلس الشعب القومي من العام ١٩٧٧ إلى ١٩٨٥ وانتخب من داخل البرلمان رئيساً للجنة القانونية ، ورائداً لمجلس الشعب القومي وكل هذه التكاليف الرفيعة تواترت عليه قبل توليه منصب نائب الأمين العام٠

وفي فترة الديمقراطية الثالثة فاز الشيخ علي عثمان في دائرة جغرافية في قلب الخرطوم ويصعب الفوز فيها على كثير من القيادات الإسلامية والتي جاءت للبرلمان عبر دوائر الخريجين وأصبح الاستاذ علي عثمان زعيماً مفوهاً للمعارضة في الجمعية التأسيسية من العام ١٩٨٥ حتى ١٩٨٩٠

ثم أن الشيخ حسن الترابي وبعد مضي أربع سنوات من تكليفه للأخ علي عثمان بنائب الأمين العام عهد إليه بأخطر الملفات في تاريخ الحركة الإسلامية وهو التأسيس لحكومة الإنقاذ الوطني وهذا بالضرورة يؤكد أن الشيخ حسن الترابي يعرف ويثق تماماً في قدرات الأخ علي بصورة لا جدال فيها ولا خلاف عليها ٠

ربما قصد الشيخ الترابي رحمة الله عليه أن معرفته بالأخ علي عثمان لم تكن وثيقة عند الترشيح حيث أنه ذكر بصورة مغتضبة اثناء الإجابة عن السؤال عن بعض الملفات التي ميزته عن الآخرين .

مبارك الكودة