عثمان ميرغني

(أوع تكتلو.. دا ما عمل ليك حاجة)!!


بصراحة ظاهرة خطيرة للغاية.. طوفان من الخطاب الديني المحشو بالبارود.. قبل أيام سَمعت في وسيط إعلامي سوداني أحد الشيوخ يقول وهو يدعو للتسامح الاجتماعي.. بعد أن تلى الآية الشريفة:) لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم) فطفق يشرح حيز التسامح الديني فقال: (يعني لو لاقاك واحد قبطي في الشارع.. أوع تكتلو.. لأنو دا ما قاتلك في الدين..).
طبعاً من السهل أن نتخيّل الإيحاء في عبارة (أوع تكتلو..) فهي شطبت كل النظام القانوني والعدلي في الدولة من الشرطة إلى النيابة حتى القضاء بكل درجاته لأنّها أوعزت أن قرار (القتل) هنا تقديره عند (القاتل).. فـ(أوع تكتلو..) التماس باستثناء هذه الحالة من قرار القتل.. تصوّروا خُطورة مثل هذه العفوية التي تركب على ظهر قنبلة نووية (موقوتة!)..
وقبل عدة أسابيع كُنت في سبيلي مدعواً لمُناسبة اجتماعية فصليت الجمعة في مسجد صَادَفَ طريقي.. الخطيب الشاب أمعن في (إفراغ) الحياة من معاني الحياة.. ورسم خارطة طريق لأيِّ مسلم أن يعبر (بأعجل ما تيسّر) من المهد إلى اللحد.. كل المطلوب من المسلم في هذه الدنيا أن ينشغل ولا يشتغل إلاّ بالاستعداد للموت.. فالطالب المتفوق الذكي لا حاجة له أن يُضيِّع عمره في الاجتهاد والازدياد في علم ينفع وطنه ومُواطنيه.. كل الذي عليه أن يجد تأشيرة دخول إلى تركيا ليعبرها إلى سوريا.. وهناك يبحث عن تأشيرة خُروج من الدنيا.. لينطبق عليه قول الشيخ محمد الغزالي: (أمة مُستعدة للموت في سبيل الله.. لكنها ليست مُستعدة للحياة في سبيل الله).
على نقيض خطاب آخر يحتشد بالحكمة وفصل الخطاب.. يُمثِّله الشاب الذي طبقت شهرته الآفاق عمرو خالد.. خطابه يهدم بعض المسلمات المعشعشة في العقول الخاملة عن الاجتهاد.. فهو يرى أنّ البعض يهزم روح الدين عندما يُروِّج لثقافة (الفقر) باعتبار أنّ الدين يفضل الفقير على الغني الميسور.. ويقول عمرو خالد بأسلوبه السهل المُمتنع إنّ النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لم يكن فقيراً.. فهو عائل لـ (11) بيتاً هن أزواجه أمهات المؤمنين.. وكانت الوفود من كل بلاد العرب تأتيه فينفق عليها بسخاء (كان كالريح المرسل) في العطاء.. مثل هذا الخطاب الداعي للعمل والاجتهاد فيه يُعلي من قدر الأمة ويجعلها مُنتجةً مُتفوِّقةً قَادرة على ريادة العالم كما كانت في يوم من الأيام.. حينما كان روّادها في الطب والهندسة والاجتماع وكافة العلوم ينيرون العالم أجمع..
انتبهوا لظاهرة الخطاب الديني المُتسرِّب كالماء من تحتنا.