مقالات متنوعة

د.روضة كريز : برنامج ديتوكس رمضاني


شهر رمضان من الأزمنة المباركة عمليا وصحيا وروحيا، وفي المقالات السابقة تحدثنا عن معنى برامج ديتوكس (برامج طرح السموم الغذائية)، ولكن في شهرنا هذا أرى أنها فرصة لنا جميعا أن نبدأه ونجدده بنوع غير تقليدي، ليكون أسعد وأصح لنا إن اعتمدناه في هذا الشهر من كل عام.

ولمن لا يعرف ما هو الـ “ديتوكس”، فهو مصطلح اخترعناه في علم التغذية، وهو أن نصوم فترة معينة عن بعض الأغذية التي ترسب مواد سامة في الجسم، وبخاصة عند الأشخاص الذين يزاولون عادات غذائية خاطئة أو يشكون من أمراض مزمنة. غير أن السموم في حياتنا ليست من المواد الغذائية فقط أو أدوية أو أشياء ملوثة نستهلكها، إنما قد تكون سموم نفسية نتيجة ظروف سيئة قد تقابلنا، أو عادات سلبية يستوجب طرحها والتخلص منها بشكل صحي إيجابي، ورمضان أفضل فرصة لذلك.علما بأن المقال السابق ذكرنا فيه من السنن النبوية الغذائية العلاجية، واليوم نذكر السنن الاجتماعية أو النفسية العلاجية، لما لها من انعكاس مباشر على حياة الفرد والجماعة، الصحية والنفسية والمعيشية.

جمال شهر رمضان يكمن بالموائد الرمضانية في البيت والمؤسسات التعاونية والخيام التطوعية بشكل يضاهي الحديث عن المحبة والسعادة التي تمنحه هذه الرابطة بين الناس، وليس فقط بين الصائمين. لذلك نحتاج إلى غربلة مشاعرنا وعطائنا بأن يشمل كل من يحضر هذه الموائد، طالما هو رزق من الله. ونطرح سموم الشهرة والكبر والبخل من مشاعرنا. فالخادم أو العامل أو عابر السبيل أمام الخيمة الرمضانية له قسمة من هذا الرزق، مصحوبة بابتسامة وشكر على قبوله، وسيخلصنا ذلك من سموم الهم والحزن ويعلمنا العطاء وحرق السعرات بسعادة. وتزيد المتعة التعبدية إذا تشاركنا مع من نحبو بدون أقنعة ولا نفاق، ونتبادل معهم الإيجابيات والأخلاق الطيبة وسر النجاح.

أما المال فيستثمر في الصدقات والزكاة على من هم بحاجة أكثر له، على شكل غذاء صحي أو ألعاب أطفال وملابس، وإن كانوا من الأقارب البعيدين، فذلك عند الله أفضل.

أما الديتوكس الأخطر فهو التخلص من سموم إدمان الهواتف الذكية وصفحات التواصل الاجتماعي والانشغال بها عن أفراد العائلة أو الأصدقاء والتحدث معهم. ولا أقول إنه لا فائدة من هذه الصفحات، بل على العكس إن كانت باعتدال أو أقل، ننتقي الإيجابي منها، ما يعود على الصحة البدنية والنفسية بالسعادة والإيجابية، وبخاصة إن صحب ذلك التخلص من العادات السيئة التي قد تصحب الفرد في أثناء متابعتها من كلمات تذمر أو تفاعل محزن، ما يؤدي إلى كثير من أمراض الاكتئاب والقلق.

فإذا استبدلنا بذلك في وقت خلوتنا متابعة وقراءة الأذكار أو صفحة من القرآن، أو أي كتاب يبعث الثقافة والإبداع، فسنرى أننا تخلصنا من كثير من العادات السيئة التي لم نكن نشعر بها، وتعابير السعادة والانشراح تظهر على الوجه والتصرفات لامحالة، كأن يستبدل مدمن المياه الغازية المياه العادية بها، أو الاستغفار والحمد لله وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم بدلا من الاستياء والعصبية، وذلك أعذب فائدة بدنية وروحية.

غير أن التدبر في آيات الله وسماعها والإكثار من الدعاء لأنفسنا ولمن نحب,،وللعالم بأسره أن يعم به السلام، والله يعفو عن الجميع ويتوب على المسيء، من أسمى علامات الرقي القلبي والروحي، والفراغ من الحسد والحقد وأمراض القلوب. ولكن لكل منا وصفته الخاصة في هذا البرنامج، وهذا ما أحببت أن أجريه على نفسي، وأشارككم لنتبادل المحبة والثقافة وسعادة العطاء. غير أن رمضان لحظات جميلة معدودات، أتمناها لكم بصحة وعافية وطاعة وسعادة.