جمال علي حسن

هاشم صديق ومكارم بشير.. الزول العجبو صعب


بعض التسيب هذا العام، تسبب في حرماني من متابعة العديد من حلقات برنامج أغاني وأغاني كما أن الوقت أصبح (ممحوقاً) والجلوس أمام الشاشة الصغيرة كرهته تماماً بسبب المسلسلات التركية المملة.. التي أصبحت في الفضائيات مثل البعوض في خريف الخرطوم القادم لا تمر عليك لحظة إلا بلسعة من لسعاته.. وأوجه الشبه بين المسلسلات التركية والبعوض كثيرة فمثلما يصعب عليك التمييز بين أنثى الأنوفليس حاملة الملاريا وذكر الأنوفليس الذي يلسعك من باب المداعبة الخشنة فإن مشاهدة المسلسلات التركية في أجواء العائلة والأطفال تفاجئك بلسعات أخلاقية خبيثة تحرجك أمام العيال فتلعن اليوم الذي دبلجت فيه تلك القنوات أول مسلسل تركي..
هذا ليس موضوعنا على كل حال.. لكن الشاهد أننا لم نعد من زبائن هذه الشاشة الصغيرة إلا استثناءً حين يأتي السر قدور ومجموعته الرائعة في رمضان فنحرص على الحضور..
لم أشاهد الحلقة التي غنت فيها مكارم بشير أغنية النهاية وهي أغنية أحبها جداً لكنني طالعت نهار اليوم التالي للحلقة خبراً في موقع سوداناس استوقفني كثيراً بأن المبدع هاشم صديق تنازل عن أغنيته الشهيرة التي تغنى بها الفنان الراحل سيد خليفة (النهاية) للفنانة الشابة مكارم بشير، وذلك عبر رسالة بعثها للمدير العام لقناة النيل الأزرق حسن فضل المولى بعد أن شاهد مكارم وهي تؤدي النهاية في برنامج أغاني وأغاني.
الخبر فعلاً غريب لأن المبدع هاشم صديق من الشعراء أصحاب الحساسية العالية تجاه نصوصه الغنائية، والحق أن نصوصه تستحق تلك الحساسية وتستحق فرض حراسة مشددة عليها في زمان الهمبتة الفنية و(لطش) الغناء والبطش بالألحان الجميلة وسفك دماء الورود.
فكان هذا هو السبب الأول الذي جعلني أبعثر غرفة قوقل واليوتيوب وأقلبها رأساً على عقب حتى أعثر على فيديو مكارم والنهاية.. أما السبب الثاني الذي جعلني أبحث عن الأغنية بشوق شديد فهو شهادة هاشم التي وردت في رسالته للجنرال حسن فصل المولى وهو يقول: (حقيقة لم أسمع أو أشاهد مطربة أو مطرباً يؤدي أغنية النهاية بمستوى هذه الإبداعية).. وهذه العبارة بالنسبة لي كانت عبارة مفرحة ومحزنة قليلاً في نفس الوقت..
هي مفرحة لأن هاشم صديق من نوع المبدعين الذين يمكن وصفه بأنه (عجبو صعب) كما نقول، وقلما يمتلئ إحساسه كناقد بهذا الكم من مفعول الإشادة بمطربة شابة اسمها مكارم بشير.
لكن شهادة هاشم كانت محزنة بالنسبة لي لأنني كنت أعتبر أن أداء الفنان عمار السنوسي لأغنية النهاية كان قد ناطح قمة سحب المقايسة والمقارنة مع أي فنان آخر وتجاوزها بمسافة كبيرة.. عمار السنوسي الذي كان يشدو بأغنيات سيد خليفة وعثمان الشفيع كان يؤدي (النهاية) بإحساس خرافي وتطريب غريب.. عمار مبدع حقاً.
لكن إحساس هاشم صديق منح جائزة (ذا فويس) في أغنية النهاية لمكارم بشير وحين استمعت لمكارم بشير احترمت وجهة نظر صاحب الأغنية وشاعرها والذي يمتلك الحق الكامل في النص لكنه لا يمتلك أكثر من خمسين بالمائة من حقوق تقييم روعته وجماله نصاً ولحناً فهي مناصفة بينه وبين المتلقي..
هنيئاً لمكارم بشير بشهادة الأستاذ المبدع هاشم صديق والذي نستبشر أيضاً بعودة تفاعله الإيجابي مع الفعل الفني في السودان بعد طول غياب.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.