تحقيقات وتقارير

رجال في خط “البوبار” النفاق الاجتماعي.. قناعة واحدة وأقنعة متعددة


خلف كل امرأة زوج يتماهى مع (الفشخرة)
المناسبات، الشغالة، الأزياء، الأثاثات، الذهب.. محركات (الشوفونية)

الفيس والواتساب.. البوبار المنقول إسفيريا
الشباب يتفاخرون بالحسناوات واقتناء أحدث الموبايلات
الفتيات والسلفي.. تأكيد مصداقية (الفشخرة)

ما هدانا إلى هذا التحقيق ذو المسميات العديدة هو تلك القشرة التي بدأت واضحة على مجتمع يشكو ليله ونهاره من ضغوط المعيشة وضيق الرزق.. عندما وجدنا أن أغلب الأفراد يعيشون بوجهين متناقضين تماماً لذلك طرحنا عدداً من التساؤلات، هل البوبار والفشخرة نوعاً من عدم الرضى بالواقع؟ أم طمعاً في المزيد؟ وربما هنالك عدم حاجة .. لكن (الفشخرة) مجرد ثرثرة وتزجية وقت؟ ويبقى التساؤل الأخير.. هل البوبار والزيف المجتمعي قد يكون طابعاً متوارثاً؟.

الأسئلة تتواصل
العديد من الأسئلة التي تتوارى خلف هذا الطابع النسائي البحت والرجالي في رواية أخرى، والمتأمل لواقع الحال يجد حالة (الشوفونية) تطل بوجهها في العديد من العادات الاجتماعية وأغلب الدواعي المجتمعية من خلال التواصل فالأمر لا يمس شريحة النساء فقط كما ماهو متداول بل الطلاب والطالبات وحتى الأطفال وقد تضجر كثير من الرجال من (بوبار) نظرائهم المزعج والذي قد يقضي بالبعض إلى الإقصاء المجتمعي بل وقد يتعداه إلى غياهب السجون بفعل (شيكات طايرة) وجلسات أنس لرجال الأعمال.

العادات الاجتماعية
هنا أس المشاكل لأن الفشخرة تعد سبباً أساسياً في انصراف العديد من الشباب عن فكرة الزواج فإذا وافقت العروس وأمها بأبسط الأشياء قد لا تقبل الأسرة هذا الأمر.. وفي هذا الصدد تبدو قصة الشاب “لؤي عامر” اقرب مثال فهو يريد الزواج ولكنه يمتلئ توجساً من الصرف البذخي الذي سيقضي على جيبه ويتعداه إلى جيوب الأقربين، حكى لنا أن المهرجان البذخي يبدأ من (فتح الخشم) (امتداداً إلى فطور أم العريس) وموية رمضان وحلاوة مولد والصالة ومحتويات الشيلة ومع كل إشراقة يوم تبتدع لنا أنثى فكرة جديدة وهي تتقصى على آخر مكنونات ومكونات جيوبنا الهشة، لذلك وداعاً أيها الزواج إلى أن يقضي الله امراً كان مفعولا .

قبيلة النساء
تنقسم النساء إلى نوعين (ربات المنازل) و(الموظفات) فلكل طريقته وأدواته في (الفشخرة) لكن تظل الآلية واحدة هي (نوعية الثياب والمفارش) و(عدة المطبخ) ومن ثم نجاح الأبناء واهتمام الزوج وشراء الذهب وإغداق الأموال والرحلات والسفريات هذا ما أصطدناه من ونسة بعض الموظفات بإحدى المؤسسات الحكومية ونحن نتجول بتخفٍ بالغ.. جلست وسطهن وتحججت بعدة حجج حتى أخرج بنوعية الحوار الدائر الذي يبدو أنهن قد اجترحنه عنوةً حتى يبددن سخونة الجو وانقطاع التيار الكهربائي وربما تكون هذا النوع من الونسة هو اللازمة الضرورية في كل الأوقات أي (عكاز وعنكوليب الونسة) كما يقول المثل السوداني.

عاملات المنازل
تركت تحليلاتي جانباً وآثرت السماع فكانت الونسة تدور حول العاملات بالمنازل ومن ليس لديها عاملة للنظافة والطبيخ عليها أن تلزم الصمت أو تبتدع عند هذه الحاجة (عاملة من ذهنها) حتى تستطيع أن تلاحق هذا السوق وتلك الثرثرة ثم انتقل الأمر إلى (أسعار الغوايش والذهب)، ثم تغيرت الأصوات إلى درجة خافته تدريجياً وأخذن يتحدثن بونسات جانبية.. فالأمر تحول إلى معاملة الزواج والاهتمام لتحكي كل واحدة عن اهتمام زوجها بها ومقدار حبه.. حينها أفصحت لهن عن مهمتي وقلت لهن (أنتوا بتجوا كل يوم تتونسوا الونسة دي.. فاجبن بالإيجاب المباشر) وأنبرت لي إحداهن.. بأنها ليس في حاجة للعمل وإنما آتي حتى أدردش مع زميلاتي واحكي لهن ما يدور داخل منزلي يومياً ثم ضحكت قائلة الدنيا دي فيها شنو.. ما سمع وشوف؟! بينما حدثتني إحداهن بأني غير محظوظة لأن هذا العقد تنقصه أهم شخصية لم تأتِ اليوم ونحن نسميها فيما بيننا بـ(كِضيبة) – بكسر الكاف- لأنها لا تدع أي أنثى أن تتجرأ وتفوقها في امتلاك شيء فإذا اشتريت ثوباً اليوم فهي قد اشترت اثنين ليلة أمس وبسعر أغلى ونحن نسمع يومياً قصص يشيب لها رأس الولدان وهي تحكي لنا عن أبنائها وحياة البذخ التي تعيشها في خيالها وتفتقدها في الواقع.. تعجبت في سري ثم سألتهن وماذا عن النسوة اللائي في المنازل؟.

لا فرق بين عاطلة وموظفة
فأجابتني (م – أ) بأن نسوة المنازل.. هن ليس بأقل منا.. فقط الفرق أنهن يضعن الرجل في مطبات و(يكسرن رقبة الزوج في تحقيق كل آمالهن الافتراضية) ولكن الموظفات نوعاً أفضل حالاً لأن هناك بعض الأحلام التي نسعى لتحقيقها ذاتياً، وفي النهاية حدثتني عن تلك السيدة القيادية التي وقفت في اجتماع هام يضم عدداً من المديرين بحجة أنها فقدت ذهبها فجأة والذي كان حاضراً معها في المكتب أثناء الاجتماع القيادي، انطلت تلك الكذبة على المدير الزائر ولكن زملاءها أغلبهم يعملون تماماً أن هذه الشنطة خالية تماماً وليس بها سوى (قروش المواصلات).

المغتربون والنيو لوك
تعد هذه الفئة من أكثر الفئات التي تعاني من الصورة النمطية والقالب الذي يضعهم عليهم المجتمع ومن ثم يتشكل المغترب على شاكلتها.. هذا ما قاله لنا المغترب “محمد ود المأمون” الذي شكا مر الشكوى من صورة المغترب الذي يمتلك مصباح علاء الدين لتأتي زوجته إكمال ما تبقى وهي (تتبوبر) وتعكس صورة مختلفة عما يعيشونه هناك ولكن اختلفت معه زوجته قائلة بأن: ما ترتديه المرأة ماهو إلا انعكاس لحال الزوج الذي كثيراً ما يبدو موافقاً لتلك المسرحية فخلف كل امرأة زوج يتماهى مع هذه التصرفات، ثم تطرقت ” و” إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت سوقاً ومنفذاً للمباهاة والنفاق الاجتماعي وذلك ابتداءً من نوع الطبيخ الذي يتم تصويره ونشره على الفيس بوك مرورا بنقشة الحناء وشراء الملابس ليس انتهاء باطقم الجلوس لأن هناك قصصا تحكى على العلن كتلك الصورة التي تداولتها قروبات الفيس بوك وقد نقشت (اسم زوجها) على ثوبها كنوع من المباهاة والنفاق ومن بعد ذلك اكملت ناشطات المواقع الاجتماعية الصورة من أذهانها وهن يجزمن انفصالها.

وللرجال نصيب
يتمثل (بوبار الرجل) في سوق العمل والسيارات ومن ثم عدد المعجبات والقشرة بالنساء الجميلات هذا ما أكده لنا “وليد السيد المحامي” الذي أشار إلى أن الرجل يفتخر بامتلاكه لأفضل ماركات السيارات وعن صفقاته المبرمة مع رجال الأعمال بل هناك نوع يتفاخر بحديثه وصداقته لنجوم ولمعاء المجتمع، بينما خالفه صديقه بأن الفشخرة صفة نسائية لا شريك لها فيها من جنس البشر أي حصرية على النساء والرجل بطابعه موضوعي يربأ بنفسه عن صغائر الأمور، وحسم لنا هذا الجدل الأستاذ محمد نور سرور فقد قال إن فشخرة الرجل تعود إلى مهنته وبيئته.. ولكن أجزم كامل الجزم بأن في كل مجتمع حالة رجالية تميل إلى الفشخرة والبوبار، خصوصاً التجار ونجوم الفن والإعلام، وهما والتواضع لا يلتقيان أبداً يسيران في خطين متوازيين، وقد أيدتهم وداد– موظفة ـ والتي أكدت أن زوجها (بحب الفشخرة) وتبديد المال في ما يلزم وما لا يلزم، وقالت: أنا أعمل على توجيه النقود نحو بنودها الهامة (كالتعليم والصحة والتغذية الجيدة)، ولكن اختلف معها فؤاد يس الذي أصر على أن النساء هن اللائي لهن القدح المعلا في شراء الاناتيك واللوحات ويملأن المنزل بالمفارش والستائر بل حتى الملابس التي لا حاجة لها لكن الرجل يشتري الضروريات.

الشباب
لم ينجو الشباب والشابات من هذه الصفة الذميمة ولكن تبقى ماهي أوجه المنافسة هنا فسألنا “وثاب محمد أنور” الذي أكد أن الشباب يتباهون بأملاك آبائهم واقتناء أغلى أنواع الموبايلات والتي شيرتات ومن ثم تلك القصص البطولية التي يحكونها عن معجباتهم.. لكنهم على وجه العموم أرحم حالاً من البنات، بينما أضافت شقيقته وسام محمد النور – جامعة الخرطوم ـ بأن الفتيات يبتدعن في مسميات اللبسات والماركات التجارية بل وهناك أخريات تشعر بروح الاستعراض في حالاتهن في (الواتس آب) لأن الحالة كثيراُ ما تكون عكس الواقع .

إشارات وحالات على الفيس بوك
نشرت “ميسون” على حائطها بـ(الفيس بوك) واضعة أيقونة السعادة وكتبت: ميسون تشعر بالفرح” ثم أشارت لعشرة من صديقاتها ووضحت مع من كانت.. حتى تغيظ غريماتها ولكن يبدو أن الأمر مفبرك فقد “تاق” إلى ياسر بعض أصدقائه بإعتبار أنهم قد ضبطوه متلبساً وسرعان ما أرسل “ياسر” أيقونة الغيظ “وأسقط في يد ميسون” لأن لميس كتبت أنها تشعر ب(الشماتة) على ميسون، عندها قمت بالتداخل وسألتهن هل هذا الأمر يعد (فشخرة وبوبار؟) أجابتني لميس بالإيجاب فإن فشخرتهن ليس لديها مضمار سوى “ارتيادهن للمطاعم الشهيرة وأمسياتهن على شارع النيل وعرض بعض أكسسواراتهن الجديدة فقد لا يسعهن الصبر حتى يتم رؤيتها، ثم أضافت لي “روان عادل” بأن صورة السيلفي هي المحك الحقيقي الذي يثبت لنا الحقيقة من الفشخرة والكذب، ولكن يبدو أن من يكبروهن عمراً أيضاً صاروا في حالة إختلاق لصورة وهمية من خلال الفيس بوك لحياة يتمنون عيشها وهي تكذب الواقع ومرارته تماماً وفي ذلك اختلفت “رزاز وزميلها فؤاد الذي قال إن حوائط الفيس بوك صارت معرضاً ومرتعاً لأغلب التحركات للشباب من الجنسين .وأن ما يتصدر حوائطهم لا يعدو سوى قطرة ملونة في بحر متلاطم من الهموم .

العلامات التجارية
تعد العلامات التجارية وأسماء المطاعم الشهيرة سبباً لإهدار الكذب على قارعة الونسات أو العمل على إخلاء الجيوب من كل جنيه طاير بغية الإغاظة والفشخرة بين الأنداد والجيران .. ويبدو أن الشركات استطاعت أن تغزو جيوب المواطنين بتلك المسميات، والإعلانات التي تسيطر سيطرة تامة على قناعات الأسر، هذا ما وافقتنا بها “سلوى الجزولي” التي رأت ألا غضاضة في شراء المنتجات الغالية إذا كانت تدل على السلعة الجيدة، وأضافت: ولكن يكون الأمر غير مقبول إذا كان من أجل (الشوفونية) فقط ومشكلة أغلب الأسر السودانية أنها تعيش من أجل الناس وليس من اجل امتاع نفسها.. فهي تفكر في ردود الأفعال قبل المتعة الذاتية.. فبعض الأسر تخرج إلى (شارع النيل) بغرض الاستجمام ولكنهم قبل ذلك يضعون في حسبانهم شرطاً أساسياً هو الاستعراض وهم خروج أمام المنزل بغرض إغاظة الجيران ومن ثم يشرعون في نشر الصور على قروبات الواتساب العائلية حتى يعلم الكل بأن هذه الأسرة تعيش في رفاهية وحالياً هي في إحدى حالات الاستجمام ثم أضافت مسرعة: ومن المشاهد المضحكة أن هناك بعض الرجال يتحدثون مع زوجاتهم أمام أصدقائهم بكل ود وحميمية كنوع من إظهار السعادة التي تحلق بينهم .. وهذه العادة مستحدثة لأن المعروف في المجتمع السوداني أن الرجل يربأ بنفسه عن الغزل العفيف على مرأى من الناس.

حالة تلبس
بينما أضافت الأستاذة وداد رحمة الله: بأن النفاق الاجتماعي حالة تتلبس الإنسان فور خروجه من المنزل وذلك بإدعاء السعادة والاستقرار فهناك قناع أمام الباب ينتظر كل من يستعد للخروج ثم أضافت قائلة بأن هناك قناعا يتم ارتداؤه عند دخول أحد الزوار ولكن القليل جداً من الناس يعيشون على طابعهم الحقيقي، ثم علقت ضاحكة وأكثر النفاق يتم التزود والتبرع به أثناء المصاهرة والزواج فالكل يرتدي قناعاً حتى يقنع الأسرة التي سيتم الاقتران بها لذلك أنصح هؤلاء بأن لا يتم النسب إلا بعد الكشف عليهم في أحد الملمات الصعبة (وفاة) أو مرض أو أحدى نائبات الدهر العصية على المداراة ولا تحتمل المباهاة رغم أن حتى هاتين النكبتين صارتا إحدى معارض (الكذب المجتمعي الوهمي).

تأثير الأسرة والوالدين
تلك الحالات جعلتنا نلجأ للباحث الاجتماعي “ياسر عبد الحكم” فأكد لنا أن النفاق الاجتماعي الذي يعيشه بعض الأفراد هو يأتي نتاجاً لضغوطات يحكمها العقل الجمعي.. والعمل على مجاراة الكل.. لكن الأمر منبعه الأسرة التي لها ضلع أساسي في زرع القيم والمفاهيم التي تنأى بهم عن صغائر الأمور ومن ثم الشعور بالنقص الذي يجعل الكثير منهم يلجأون إلى الكذب أو (ابتداع أي طريقة حتى يصبح مثله مثل بقية رفاقه) ثم عاد أستاذ ياسر وقال إن النشأة الطبقية الأولى هي التي تحدد ذلك فهناك عوائل جبلت على (البوبار) و(الشوفونية) لذلك يصير أبناؤها على ذات الشاكلة والبعض الآخر تكون حالة (البوبار) نتاجاً للتحول المادي الذي حدث لهم .. فصاروا يكملون ما تبقى لهم من خطوات الثراء عبر الثرثرة الكاذبة وهذه الصفات من (فشخرة) وكذب لا تقتصر على نوع أو آخر بل الرجل والمرأة متساويان.

تحقيق : آيات مبارك
صحيفة الصيحة