منوعات

كيف تنال فضائل رمضان ؟


وزاد أحمد في رواية : لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه .

اللهُ أعطاكَ فابذُل مِن عطيَّتِهِ فالمالُ عاريةٌ والعمرُ رحَّالُ

المالُ كالماءِ إن تُحبَس سواقيه ِيأسن ، وإن يَجرِ ، يَعذُبُ منهُ سلسالُ

والبعض قد يُرى سخياً على أصحابه في المآكل والمشارب ، لكنه لا يتبرع من أجل الدعوة ، ولا تطيب نفسه بالإنفاق على الفقراء والمساكين خاصة الذين لا يعرفهم ، ومن الناس من ينفق على أصحابه ويتبرع من أجل الدعوة ، ولكنه لا يتصدق على المحتاجين ! ومقتضى الجود أن يكون السخاء سمة للعبد ؛ فلا يكون حريصاً على المال ، بل يقول به هكذا وهكذا ؛ ففي صحيح البخاري عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال له : « إن المكثرين هم المقلُّون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وقليل ما هم » [20] .

رابعاً : الاستكثار من العبادة : من تلاوة للقرآن ، وقيام لليل ، وذكر ودعاء … فإن ذلك من آكد الشعائر المستحبة وأظهرها في رمضان وأقربها ؛ لتحقيق مغفرة ما تقدم من الذنوب والآثام ، وفي الصحيحين والسنن : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه » [21] ولم يترك – صلى الله عليه وسلم – هذا القيام حتى يوم بدر ، كما قال علي – رضي الله عنه – فيما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده :» لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم ، إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح … « [22] .

ويُستَحب الإكثار من تلاوة القرآن ليس نهاراً فحسب ، بل ليلاً ؛ يحمد الله ؛ ففي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه – صلى الله عليه وسلم – وبين جبريل – عليهما السلام – كانت ليلاً لقوله – رضي الله عنه – : وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان ؛ فيدارسه القرآن [23] .

فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً ؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } ( المزمل : 6 ) .

وينبغي للمسلم أن يعظِّم شأن هذه العبادة ( تلاوة القرآن في رمضان ) ويقدمَها على ما سواها ؛ قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان ، يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، وقال عبد الرزاق الصنعاني : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن ، وكانت عائشة – رضي الله عنها – تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان ، فإذا طلعت الشمس نامت .

فاجتهد أخا الإسلام ! في الإكثار من ختم كتاب الله – جل وعلا – في هذا الشهر ولا تصيره شهر غفلة ولغو ونوم .

ومما يعينك على قيام الليل تذكُّر الأجر والتوبة والعفو عن الخطيئة والذنب ،وتذكُّر ظلمة القبر ووحشته وهمه ؛ فقيام الليل نور لظلمة القبور .

كان أبو الدرداء يقول : صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور ، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور ، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير .

وعلى الصائم أن يجعل هذا الشهر كذلك شهر تضرُّع ودعاء ؛ فإن دعاء الصائم لا يُرد ، ولكل مسلم دعوة مستجابة في كل يوم وليلة .

روى البزار عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : « ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر » [24] ، وفي رواية : « ثلاث دعوات لا تُرد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ، ودعوة المسافر » [25] ، وفي أخرى : « دعوة الوالد على ولده » [26] .

وينبغي أن يزيد الصائم في الاهتمام والجد في العشر الأواخر ، ويعظِّم شأن القيام في هذه الليالي ، ويتنظف ويتزين ، ويستعد لاستقبال فضل الله ولتعظيم شأن تلك الليالي ، وليكون أكثر نشاطاً وحضوراً في الصلاة ، وقد كان كثير من السلف يغتسل قبل العشاء في ليالي العشر ، قال ابن جرير : كانوا يحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ، وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي أرجى لليلة القدر .

وقال حماد بن سلمة : كان ثابت البناني و حميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبان المسجد في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر ، وقال ثابت : كان لتميم الداري حلةً اشتراها بألف درهم وكان يلبسها في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر .

قال ابن رجب – رحمه الله – : فتبين بهذا أنه يُستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظيف والتزيُّن والتطيُّب بالغسل والطيب واللباس الحسن ، كما يُشرَع ذلك في الجُمَع والأعياد .

ومما يستقبل به المسلم العشر الأواخر – خاصة – ويُظهر فيه مزيد الاجتهاد في تلك الليالي الاعتكاف واعتزال النساء .

وهذه السُّنة العظيمة نريد أن نحييها ونريد أن لا تُهمَل مع الأيام .

وقد كان – صلى الله عليه وسلم – وهو أكثر المسلمين أعباءً وانشغالاً يعتكف العشر في رمضان ويعتكف معه أصحابه

كن كالصحابةَ في زهدٍ وفي ورعٍ القومُ همُ ما لهم في الناسِ أشباهُ

عبَّادُ ليلٍ إذا جنَّ الظلامُ بهم كم عابدٍ دمعُهُ في الخد أجراهُ

خامساً : الإقلاع عن الذنوب : وأن يتوب منها ويرعوي عن المعاصي ، وأعظم من ذلك أن ينخلع قلبه بالكلية عن التعلق بشيء سوى الله – جل وعلا – ففكره وقلبه وروحه كل ذلك مع الله – تعالى – فلا يتعلق قلبه بفضول المباحات فضلاً عن المعاصي والآثام .

أهلُ الخصوصِ من الصوَّام صومُهمُ صونُ اللسانِ عن البهتانِ والكذب

ِوالعارفون وأهلُ الأنسِ صومُهمُ صونُ القلوبِ عن الأغيارِ والحجُبِ

فالصوم إنما شُرع لتحصيل التقوى ؛ فمن لم يدع قول الزول والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ، فلنجعل رمضان شهر توبة وإجابة ، وشهر خشية لله وتقوى .

يا ذا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبِ حتى عصى ربَّهُ في شهرِ شعبان

لقد أظلك شهرُ الصومِ بعدَهُما فلا تصيِّره أيضاً شهرَ عصيان

واتل القرآن وسبِّح فيه مجتهداً فإنهُ شهرُ تسبيحٍ وقرآنِ

كم كنتَ تعرفُ ممن صام في سلفٍ من بين أهـلٍ وجيرانٍ وإخوان

أفناهُمُ الموتُ واستبقاك بعدهُمُ حياً فما أقربَ القاصي من الداني

نسأل الله – تعالى – أن يبارك لنا في رمضان ، ويخرجنا منه مغفوراً لنا !وصلاةً وسلاماً على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

(1) أخرجه : أحمد (22202) وصححه الأرنؤوط .
(2) أخرجه : ابن ماجه (1644) .

(3) أخرجه : مسلم (2565) .
(4) أخرجه : ابن ماجه (1390) وصححه الألباني في الصحيحة (1144) .

(5) أخرجه : البخاري (5984) ومسلم (2555) .
(6) أخرجه : مسلم (2558) .

(7) أخرجه : مسلم (91) .
(8) أخرجه : أحمد (14283) وحسنه الأرنؤوط .

(9) أخرجه : أبو داود (44984) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7401) .
(10) أخرجه : البخاري (6064) ومسلم (2563) .

(11) أخرجه : أبو داود (4888) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2291) .
(12) أخرجه : مسلم (2589) .

(13) أخرجه : أبو داود (4875) وصححه الألباني في صحيح السنن (2502) .
(14) أخرجه : الترمذي (2032) وصححه الألباني في غاية المرام : (ص 240) .

(15) أخرجه : أبو داود (4878) وصححه الألباني في الصحيحة (533) .
(16) أخرجه : أبو داود (4881) وصححه الألباني في الصحيحة (934) .

(17) أخرجه : أحمد (36368) وأبو داود (4884) وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
(18) أخرجه : البخاري (6 و 1902) ومسلم (2308) .

(19) أخرجه : أحمد (2042) وصححه الأرنؤوط .
(20) أخرجه : البخاري (2388) .

(21) أخرجه : البخاري (37 و 38) ومسلم (760) .
(22) أخرجه : أحمد (1023) وصححه الأرنؤوط .

(23) تقدم تخريجه .
(24) صحيح الجامع (3027) .

(25) صحيح الجامع (3029) .
(26) صحيح الجامع (3028) .