الطاهر ساتي

نقل العاصمة ..!!


:: بعد التوقيع على نيفاشا، لم يأت الدكتور جون قرنق إلى الخرطوم بالخطب السياسية، و لا بروح الإنتقام والهمج المسماة في السياسة السودانية – كذباً وبهتاناً – بالروح الثورية، ولكن سبقت قرنق إلى الخرطوم شعارات سامية كانت – ولا تزال – بمثابة غايات أهل السودان جميعاً، أي بمختلف آلوان طيفهم العقائدي والسياسي، ومنها الشعار الأشهر ( نقل المدينة إلى الريف)، أو هكذا إختصر قرنق أفكاره السياسية والإقتصادية بحيث يكون الإختصار مفهوماً وواضحاً..!!

:: نقل المدينة إلى الريف، وليس نقل العاصمة إلى مكان آخر، كما يطالب بعض قصار النظر و الفهم.. وشتان ما بين ذاك الشعار الشامل وهذه الدعوة الساذجة، أي كالفرق بين الثرى و الثريا.. إن كان تعريف العاصمة هي المنطقة التي تدار منها حكم البلاد وفيها مؤسسات الدولة السيادية ووزاراتها، فهب أن قطر أو السعودية أكرمتنا بتكاليف أبراج وخدمات بأرض الخوي – في شمال كردفان – بحيث تكون (عاصمة السودان)، فهل بهذا النقل يكون قد تم حل كل أزمات الخرطوم وقضايا السودان ..؟؟

:: نقل العاصمة إلى مكان آخر بثمابة حل فقط لسادة الحكم وأسرهم بحيث لاتزاحمهم العامة في الطرقات والخدمات .. ولكن هذا النقل لا يمت إلى قضية الخرطوم وكل قضايا وطرحه البلد بأية صلة.. وطرحه بين الحين والآخر كحل لأزمات الخرطوم نوع من (العرض خارج الزفة)، أو كمن يجتهد في تغطية أشعة الشمس بالغربال ..فالحل الجذري لأزمة الخدمات بالخرطوم وبكل مدائن السودان، وكذلك الحل الجذري لقضايا كل أرجاء السودان، هو ( نقل المدينة إلى الريف)، أي ما كان شعاراً للحركة الشعبية ..!!

:: نقل المدينة إلى الريف هو توفير مناخ الإنتاج بالولايات وأريافها بحيث لا تنزح سنوياً مئات الآلاف من سواعد القابضة على المعاول والمحراث إلى الخرطوم – وغيرها من مدائن السودان – لتبيع ( الطواقي والمساويك) في الطرقات، أو لتتاجر في سوق الدولار و (البيع بالكِسر)..ونقل المدينة إلى الريف هو العدل والمساواة في توزيع الخدمات، بحيث لاتتوافد شهرياً إلى الخرطوم – وغيرها من المدائن – الملايين الباحثة عن العلاج والتعليم والعمل ..ونقل المدينة إلى الريف هو إعلاء روح السلام والإنتاج في كل ربوع البلد بحيث تستوعب تلك الربوع الشاسعة كل عقول وسواعد أهلها، وبالمقابل هذا النقل مكافحة روح التكدس والزحام بلا عطاء في المدئن..!!

:: تلك هي بعض معالم وملامح شعار نقل المدينة إلى الريف، أي توفير مناخ السلام والإنتاج في كل أرجاء السودان ثم توفير العدل والمساواة عند توزيع الخدمات، بحيث لاينزح النازح ولا يتوافد الوافد إلى المدينة إلا (زائراً)، ثم يعود .. فما معنى نقل العاصمة إلى مكان آخر أيها العباقرة؟، وما فوائد النقل للسودان وشعب السودان؟.. دولة إثيوبيا – على سبيل المثال القريب جدا – تعدادها السكاني يقترب إلى (المائة مليون نسمة)، ولكن التعداد بعاصمتها أديس لا يتجاوز (الخمسة ملايين نسمة)، لماذا؟.. فالإجابة هي الأفكار الخلاقة التي تنهض بها الدول من حولنا، بيد أن الدولة الموصفة بالقارة هنا تتقزم عاماً تلو الآخر – بمفعول الأفكار السطحية – بحيث تكاد تكون ( جمهورية توتي )..!!