مقالات متنوعة

رقية ابوشوك : ورحل…( بيوت الطين القديمي)


غيّب الموت عن دنيانا فنان الشمال المعروف (عيسى برّوي) بعد رحلة حياة مليئة بكل المجاهدات حيث كانت المجاهدات عبر الكلمات.. سواء كانت كلماته أو ألحانه أوأداؤه… أحبّه الجميع للأداء البسيط الذي يخاطب الوجدان مباشرة ويعالج الكثير من القضايا.
كرّمته رئاسة الجمهورية في العام 2014م في تكريم يليق بمكانته وقد خاطب التكريم د. “جلال الدقير” في حفل أقيم بهذه المناسبة بقاعة الصداقة بالخرطوم وحينها كتبتُ مساحة سميتها (بيوت الطين القديمي) يوم 29/4/2014 بصحيفة (المجهر السياسي) وهآنذا أعيدها في هذه المساحة مرة أخرى:
سعدت جداً للتكريم الذي أقيم للفنان المبدع “عيسى برّوي”.. فنان الشمال الفريد من نوعه كلمة ولحناً وأداءً.. خاطب حفل التكريم مساعد رئيس الجمهورية د. “جلال الدقير”، وقد أبدع في الكلمات التي جاءت من الأعماق لتعبِّر عن مساهمات فنان قدم الكثير في مجال الفن والإبداع، وساهم كذلك بمفرداته، كما قال “الدقير” في إحداث النهضة الشاملة من خلال أغانيه تجاه مشروع القرن (سد مروي) حاثاً الأهل والأحباب أينما كانوا على الالتفات حوله والعمل ليكون هذا المشروع كما هو الآن.
“عيسى برّوي” الذي نشأ وترعرع في جزيرة شري بالولاية الشمالية هو من المناصير الذين قام سد مروي على أراضيهم وأراضي أجدادهم.. ولد في العام 1953م وعمل بالسكة الحديد الأمر الذي مكّنه أن يطوف على كثير من مدن السودان كما أنه يمتلك أكثر من (400) أغنية وكانت أولى أغانيه تقول:
يا إلهي أكون سعيد
وأمشي في شري وألحق العيد
وأخرى:
الجدي الدابك رضيع
مالي في ريدك داير أضيع
يا أب طبيعاً حالي ووديع
إنت راقي وذوقك رفيع
ومن أشهر أغانيه أغنية (بيوت الطين القديمي) التي صاغ كلماتها الشاعر “أحمد سيد أحمد بلول” في العام 1987م بأبي ظبي، و لحنها وغناها “بروي”، وهي تحكي شجن الغربة والبعاد والشوق للأهل والأحباب وجاءت قمة في الروعة والإبداع:
بلاد الريد والمحنة وبيوت الطين القديمي
السلام ليك يعم يطوفك يحلق في سماك ديمي
بعيد عنك يا بلدنا مصاقر الغربة اللئيمي
معاي في البال ما بتغيبي صور في عيني تتراءى
ومشاهد حلوي وعظيمي
ويواصل في وصفه للبلد وأهل البلد والحمير ويقول:
أشوف لي جنى بحمارتو شادها كارب الصريمي
وهو لابس عراقي بلدي مكرب ولاوي العميمي
بعيد عنك يا بلادي حياتي أنا ماليها قيمي
لازم أرجع ليك وأضحك وأعيش أنا فيك لا ديمي
وعندما بدأت فكرة (سد مروي) وكان أهلنا المناصير معترضين لكون الأرض والنخيل والذكريات الجميلة وبيوت الطين القديمي وتذكار الزمان الفات، تغنى “برّوي” بالأغنية التي كتب كلماتها “محمد العبيد سيد أحمد” التي جاءت:
وكت سد مروي الله جابو أخير نرجع لشري
تاني نتوب ما نسافر نقول كايسين المعيشي
نحوم ونلوح في البنادر برانا نكوس النبيشي
نخلي قراريص قمحنا وملاح ويكتنا الهشيشي
نباري لهايد المدينة البربن للزول كريشي
التحية والتجلة للفنان العملاق “عيسى بروي”، وهو جدير بالتكريم، كما أن تكريمه يعدّ تكريماً لكل أهل الشمال وأهل المناصير الذين جاء منهم.. وهذا هو السودان مليء بالإشراقات والإبداعات.. والتحية لكل من ساهم في التكريم.. وتحية خاصة جداً لأهلي وعشيرتي بالشمال، الأرض المعطاءة، التي لن تبخل بالعطاء رغم سني المحل، لأنهم كرماء:
داك يلاقيك باسم كرم في طبعو صار شيمي
يقولك لا جوة قنِّب يكتر لك في العزيم