تحقيقات وتقارير

ضغوط دولية وإقليمية لتثبيت الهدنة في السودان


تجري تحركات بوتيرة متسارعة وضغوط دولية وإقليمية لإنضاج شروط تسوية مقبلة تعلن تثبيت هدنة حقيقية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور في السودان، في أفق نزع فتيل الحرب نهائياً، عبر حمل الأطراف السودانية على إنهاء الصراع باتفاق شامل.
وكان من نتائج التحركات الإقليمية والدولية إعلان الرئيس السوداني، عمر البشير، عن وقف إطلاق النار بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، ابتداء من أمس السبت ولمدة أربعة أشهر، كبادرة حسن نية لتحريك الحوار، قبل أن ترحب قوى المعارضة، السلمية والمسلحة، بالخطوة، مطالبة بالمزيد، عبر إيقاف الحرب بشكل نهائي بالمنطقتين ودارفور.
وفي السياق، دعت “الحركة الشعبية- قطاع الشمال” الرئيس السوداني إلى التفعيل الجدي لقرار وقف إطلاق النار، من خلال إرسال وفد حكومي إلى أديس أبابا فوراً للتفاوض مع الحركة، بغاية الوصول لآليات دولية وإقليمية لمراقبة وقف “الأعمال العدائية”، في إطار تسوية سلمية وشاملة للنزاع.
وقال الأمين العام للحركة، ياسر عرمان، في تعميم صحافي تلقت “العربي الجديد” نسخة منه، أن القرار ليس الأول من نوعه، إذ سبقه إعلان مماثل من قوى “نداء السودان”، وهو تحالف يضم المعارضة المسلحة والسلمية، مشدداً على ضرورة تفعيل الإعلانين وإرسال الحكومة وفداً لأديس أبابا للتفاوض، عبر الوساطة الأفريقية، للوصول لآليات مراقبة لوقف “الأعمال العدائية” في المسارين الإنساني والسياسي، وفي إطار تسوية سلمية شاملة، تقرّ وقف قصف الطيران للمدنيين بمناطق العمليات، فضلاً عن إطلاق الأسرى والمعتقلين السياسيين، وتعطي الأولوية للجانب الإنساني.

وأبدى عرمان استعداده لفك الحصار عن القوات الحكومية بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والسماح لها بإجلاء جرحاها ضمن اتفاق لوقف الحرب يكون مراقباً دولياً، “لاسيما بعد محاولات الحكومة الفاشلة في فك الحصار عن قواتها”.
وتأتي خطوة البشير بالتزامن مع سلسلة اجتماعات أجراها المبعوث الأميركي، دونالد بوث، بشكل جماعي ومنفرد مع بعض قوى المعارضة السلمية والمسلحة المجتمعة في أديس أبابا، منذ فجر السبت، والممثلة في “الحركة الشعبية- قطاع الشمال”، و”حركة العدل والمساواة”، و”تحرير السودان- جناح مني أركو مناوي”، فضلاً عن “حزب الأمة” وحزب “المؤتمر السوداني”.
وذكر حزب “المؤتمر السوداني”، في بيان، أن الاجتماعات بالمبعوث الأميركي ناقشت الواقع السياسي بالسودان، فضلاً عن خارطة الطريق التي اقترحتها الوساطة الأفريقية ووقعتها الحكومة في الخرطوم بشكل منفرد، بينما رفضتها القوى المعارضة، مؤكداً أن “موقف قوى “نداء السودان” لايزال رافضاً للخارطة بشكلها الراهن”، وهو ما تم نقله لدونالد بوث.
وغابت عن الاجتماعات بعض قوى “نداء السودان”، والذي يضم 17 حزباً، بينها “الحزب الشيوعي السوداني”.

وأبلغت مصادر داخل التحالف، “العربي الجديد”، بأن اجتماعات أديس أبابا، وقبلها لقاء زعيم “حزب الأمة”، الصادق المهدي، برئيس الآلية الأفريقية، ثامبو امبيكي، في جوهانسبورغ، أحدث خلافات كبيرة داخل “نداء السودان”، حيث اعتبرت بعض القوى المعارضة أن “الاجتماعات ما هي إلا مدخل لتمرير خارطة امبيكي”، مشيرة إلى رفض نحو 11 حزباً من أصل 17 للاجتماع وللخارطة “التي تم إقرارها في غياب القوى الرئيسية”، قبل أن تجري محاولات لانتزاع اعتراف بها من المعارضة.

وذكرت المصادر أن تحالف المعارضة سبق وأن طالب المهدي بعدم الاستجابة للقاء امبيكي، إلا أن زعيم “حزب الأمة” قرر لقاءه، قبل أن تعتبر القوى الرافضة اجتماعات أديس أبابا نتاجاً للقاء المهدي امبيكي بجوهانسبيرغ.
ورغم ذلك، يرى مراقبون أن التحركات الجارية تسير في اتجاه دفع قوى المعارضة إلى التوقيع على خارطة الطريق بعد إدخال التعديلات اللازمة عليها، في أفق إقرار تسوية سياسية تعلن عن هدنة مؤقتة، غير أنها “ستكون هدنة هشة مادام الوضع قابلاً للانفجار في أية لحظة”، مشددين على أن “العملية برمتها تمت تحت ضغط دولي وإقليمي، ومادام أنها لم تعالج نهائياً جذور الأزمة الحقيقية”.
وصرح المحلل السياسي، أحمد ساتي، أن التسوية ربما تقتصر على الأحزاب الموجودة حالياً بأديس أبابا، وقد تستثنى منها قوى تحالف المعارضة الرافضة، مشيراً إلى تجاهلها من الأساس من قبل الوساطة التي أصبحت لا تركز على الحوار معها في الآونة الأخيرة.

وأوضح ساتي: “كل ما يهم المجتمع الدولي والإقليمي هو إنجاز التسوية مع حزب الصادق والحركات المسلحة، باعتبارها الفاعل الأساسي في المشهد السوداني”، وأن باقي الحركات المسلحة، وبعد التدخلات الدولية والإقليمية، ستجد نفسها ملزمة بقبول التسوية، لأنها “مرهونة بالمجتمع الدولي والإقليمي الذي يوفر لها الملاذ والدعم”.
في المقابل، سارع “الحزب الشيوعي”، بقيادة مختار الخطيب، إلى تأكيد رفضه القاطع لضغوط المجتمع الدولي لإقرار ما أسماه “الهبوط الناعم عبر تسوية سياسية قلّما تحدث تغييرات في شكل النظام، مع الإبقاء على جوهره”، مجدداً تأييده المشروط لعملية الحوار، متشبثاً بوقف الحرب، وفتح مسارات آمنة لإغاثة المتضررين، فضلاً عن إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق سراح المعتقلين، إلى جانب تكوين حكومة انتقالية، وإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة.
ورحب “الحزب الشيوعي” بقرار الحكومة وقف الحرب لمدة أربعة أشهر، لكنه أكد أنه غير كاف، مشدداً على ضرورة “استكماله بمتطلبات الحوار للحد من عملية إعادة إنتاج الحرب”.

العربي الجديد