تحقيقات وتقارير

مجلس الوزراء يبدأ التقصي تقرير ديوان المظالم.. لا تزال للقصة بقية


من الواضح أن التقرير الذي قدمه رئيس ديوان المظالم العامة، مولانا أحمد أبو زيد للبرلمان، بداية الدورة الحالية لم ينتهِ بإجازته من البرلمان ولكن يبدو أن التقرير التفصيلي وما حواه من معلومات جعل الدولة تلتفت إلى مكامن قصور كانت خافية عنها، فما ذكره مولانا أبو زيد دفع مجلس الوزراء إلى التحري والتقصي خاصة وإن التقرير المودع منضدة البرلمان حوى العديد من المخالفات ومظان الفساد التي رفعت الدولة شعارا بمكافحته أينما وجد.. وإن كان مجلس الوزراء قد أكد أن الآليات العدلية في الدولة قادرة على متابعة ما أورده تقرير ديوان المظالم لكن تأكيده متابعة تقرير المظالم ربما كان له وقعا جيدا لدى البعض باعتبار أن مجلس الوزراء يمثل الجانب التنفيذي السيادي للدولة بيد أن آخرين يرون أن ما رشح عن متابعته المخالفات الواردة فيه لا يعدو كونه تسويفا سيما وأنه اتى بعد شهر كامل من صدور التقرير.

مصوغات قانونية

ويرى محللون سياسيون أن مجلس الوزراء كان لابد أن يهتم بالمعلومات الواردة في التقرير من واقع أن مولانا أبو زيد يستنده على منطوق المادة (43) من الدستور الانتقالي لسنة 2005 والتي تم بموجبها إنشاء الديوان الذي يقع تحت مسؤولية رئيس الجمهورية، والمجلس الوطني مباشرة ويؤدي مهامه وفقا للمادة (7) من قانون ديوان المظالم العام الصادر في العام 2015م والتي أعطت الديوان سلطات التفتيش الإداري ومراجعة الإنجازات والإخفاقات التي تقع فيها المؤسسات، مؤكدين أن من حق الديوان يقوم بتفتيش المؤسسة ومن ثم يعد تقريرا أوليا يبعث به لها وينتظر ردها على الملاحظات الواردة فيه والمخالفات التي سجلت على المؤسسة لإعطائها فرصة للرد عليها وتبيانها، مشيرا إلى أن المخالفات الإدارية تعتبر من أخطر الأنواع من واقع أن الدولة ترى أن المخالفات الإدارية أصبحت مهددا كبيرا وطريقا للفساد يجب مواجهتها بالحسم المطلوب وربما ذلك ما أكده في وقت سابق مدير الديوان، مولانا أحمد أبو زيد الذي قال “نعلم أنه كلما كان الأداء الإداري للدولة مربوطا بالوضوح والإلتزام بالقوانين واللوائح ومشمول بالشفافية فإنه يقلل من مخالفات المال العام” مبينا أن ديوان المظالم يعتبر المرآة التي ترى فيها الدولة عمل مؤسساتها ومدى التزامها بالقوانين واللوائح التي تضعها لها.

التقاط قفاز

وربما تكون الدولة قد تعاملت مع تقرير ديوان المظالم بعيدا عن الأضواء سيما وإن التقرير صاحب نشره الكثير من الشد والجذب، فما أكده وزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر، عن دراسة وزارته لما ورد من تجاوزات في تقرير ديوان المظالم العامة يمثل التقاط القفاز من يد الديوان لمواصلة المسيرة سيما وأنه قرن الدراسة بوجود آليات لمحاربة الفساد تعمل على إيقافه بما فيها المراجع العام معتبرا أن الحسبة والمظالم واحدة من آليات مكافحة الفساد المعتمدة لدى الدولة وحديث عمر ربما يجر عليه وابلا من النقد وصيبا من الثناء معا، إذ إن هناك من يرى أن مجلس الوزراء لم يتخذ أي قرار بخصوص المعلومات الواضحة التي وردت في التقرير بينما ينظر لها آخرون بأنها خطوة جيدة وإن جاءت متأخرة إيمانا بمقولة إن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي.

تشكيك في المردود

وينتقد عضو البرلمان المستقل عن دائرة عِد الفرسان بجنوب دارفور، محمد الطاهر عسيل، في إفادته لـ(الصيحة) تأخر مجلس الوزراء في التحرك صوب تقرير متكامل قدمه ديوان المظالم وحمل مخالفات واضحة وبأسماء المخالفين فيها، لافتا إلى أن من قدم التقرير عمل قاضيا لمدة 35 عاما وعمل وزيرا للعدل أيضا الأمر الذي يجعل تقريره مضبوطا واحترافيا لا يقبل التشكيك، وقال “إن يبدأ مجلس الوزراء بعد أكثر من شهر في دراسة أمر جلل مثل الاتهامات المباشرة التي وردت في تقرير ديوان المظالم فذلك يؤكد عدم اهتمام وزارة مجلس الوزراء بهذه المخالفات الصريحة” مبينا أن هذه دراسة لن تفضي إلى أي نتيجة لأن الهدف منها هو تطويل الوقت وقتل القضية ليس حسمها، وقال “فقط دراسة قد تنتج إلى لا شيء، وقد نسمع تبريرات غير منطقية للوقوف إلى جانب ما اتهمهم الديوان” مستشهدا برد الفعل الحكومي العنيف عند صدور التقرير/ ومحاولة التشكيك فيه والتنصل عنه ومحاولة طمس الحقائق الواردة فيه، وأشار عسيل إلى أن البرلمان لو كان قويا يقوم بدوره الرقابي لكان الجهاز التنفيذي قد وضعه في الحسبان، لكن البرلمان بالشكل الحالي لا يستطيع المحاسبة الفعلية للمتورطين في التقرير لذا فإن الجهاز التنفيذي يفعل فيه ما يشاء.

دعوة للاستقالة

محمد الطاهر عسيل يرى أن مثل هذا التقرير يجب أن يعصف بكل من وردت أسماؤهم وأن تجتهد الدولة في إقامة القانون فيهم، وقال “في الدول التي تحترم المؤسسات والقانون، فإن مثل هذا التقرير كان سيؤدي إلى تقديم الكثير من المسؤولين لاستقالاتهم دون شك وستلاحقهم لعنات الشعب حتى يبرئوا أنفسهم” مبينا أن إعمال القانون في كبار المسؤولين يعطي نموذجا حيا للجمهور وللمواطنين بأن الناس سواسية أمام القانون.

اعتراف ضمني

ولكن رأى النائب المستقل عسيل ربما تخالفه بشدة عضوة البرلمان سهام صالح حسب الله، عضوة التحرير والعدالة التي أبدت خلال حديثها لـ(الصيحة) ترحيبا كبيرا بما أورده وزير مجلس الوزراء، مشيرة إلى أن ما قاله في البداية اعتراف ضمني بأن هناك أشخاص بعينهم ارتكبوا جرائم فساد مبينة أن شروع مجلس الوزراء في التقصي حولهم بالتأكيد يمثل الخطوة الأخيرة قبل تقديمهم للمحاكمة واتخاذ القرار السياسي بحقهم والذي يقضي إبعادهم عن أي منصب قيادي أو دستوري الآن وفي المستقبل، باعتبار أن ذلك يمثل انتصارا للشعب الذي ظل يعاني من تبعات الفساد والوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع التضخم المتزايد ودفع ضرائب القيمة المضافة من معاش المواطن في حياته اليومية مبينة أن تقديم من وردت أسماؤهم في التقرير لمحاكمة عادلة يؤكد أن الدولة جادة في محاربة الفساد ومحاربة الانتهازية التي تمتص أموال الشعب، مؤكدة أن خطوة مجلس الوزراء تعني إحقاق مبدأ المسؤولية وتفعيل أدوار الرقابة والمضي قدما لاستعادة هيبة الدولة مشيدة بما قدمه ديوان المظالم من معلومات داعية.

محجوب عثمان: صحيفة الصيحة