تحقيقات وتقارير

القروض الربوية.. بين العلم والسياسة


(الضرورات تبيح المحظورات) شعار يرفعه التنفيذيون أمام البرلمان لتبرير مبدأ القروض الربوية على أنها السبيل الوحيد المتاح لإخراجهم من أزماتهم المالية رغم مخالفتها للشريعة الإسلامية، حيث مرر البرلمان الاثنين الماضي قرضاً ربوياً لتمويل مشروع الرصيرص (المرحلة الأولى)، من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بقيمة 60 مليون دينار كويتي، تسدد على مدى 19 عاماً في شكل أقساط سنوية بقيمة (1.540.000) دينار كويتي للقسط الأول، بينما تبلغ قيمة القسط الأخير (1.480.000) دينار بعد فترة سماح 6 سنوات من تاريخ قيام الصندوق العربي بسداد أول طلب سحب من القرض. وأثار القرض جدلاً فقهياً بين النواب، ففي الوقت الذي طالب فيه المعترضون برفض القرض لعدم مشروعيته الدينية، دعا آخرون لإجازته بحجة أن المشروع سيسهم في استقرار الأوضاع في ولاية النيل الأزرق المضطربة.

أهواء:
قال أستاذ مقارنة الأديان بجامعة بحري د. اسماعيل صديق عندما نتحدث عن فقه الضرورة، فالواجب علينا أولاً أن نعلم أن كل مضطر ومكروب صدق اللجوء إلى الله تعالى؛ فهذا هو أعظم مقام يقومه العبد في بلواه وكربه، بل هو من أعظم حكم الله تعالى في تقدير الكرب والضيق على عباده.. قال الله تعالى:( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) وقد أثنى الله تعالى على نفسه بتفريج كرب المضطر، فقال:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ولابد لنا أن نعرف ماهية حالة الضرورة ؟ وحال الضرورة المتفق على تسميتها بين العلماء هي التي يخاف معها على المكلف من الهلاك، أو ضرر شديد، أو تلحقه مشقة لا يمكنه احتمالها والربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى، والحديث يعود لاسماعيل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن المسلم إذا دقق النظر في النصوص الشرعية الواردة في تحريم الربا والنتائج المترتبة عليها لوقف على خطورة هذه الكبيرة ،َ فآكلُ الربا مُحَاربٌ من الله تعالى ملعونٌ على لسان نبيه، وبعض العلماء أصبح يرخص في هذا الأمر وأصبح الواحد منهم ينزّل حاله من الضرورة بما تهواه نفسه وتشتهيه عينه.. والصواب الوقوف مع أصل العزيمة، إلا في المشقة المخلة الفادحة فإن الصبر أولى، ما لم يؤد ذلك إلى دخل في عقل الإنسان أو دينه، وحقيقة ذلك أن لا يقدر على الصبر، لأنه لا يؤمر بالصبر إلا من يطيقه كما قال الشاطبيّ.. والسؤال هو هل توجد ضرورة حالياً تجبر الحكومة على قبول قرض ربوي، مع وضعنا في الاعتبار أن هناك أكثر من مخرج يجنب الحكومة استلام أموال نقدية، من ذلك مثلا عقد مرابحة تقوم الجهة الممولة عبره بالمشروع وتسليمه كاملاً للحكومة!! وفي تقديري أن المسلم إذا وقع في حاجة أو حرج فعليه أن يلجأ إلى الله تعالى، ويبحث عن سد حاجته بالطرق المشروعة، فالله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
وعيد:
يقول النائب البرلماني مبارك النور هناك نص قرآني واضح ولا اجتهاد معه، ولا توجد ضرورة تبيح المحظورات، وتوعد الله المرابين كما أنزل في محكم تنزيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) واتعهد بالوقوف ضد الربا حتى ابرئ ذمتي.

حاجة اقتصادية:
الاقتصاد وصل مرحلة التدهور وأصبح يحتاج لملايين الدولارات لينتعش، بهذه العبارة بدأ الاقتصادي عبد الله الرمادي مواصلاً، مبلغ الـ60) مليون دولار تعادل حوالي (720) مليون دولار، وبالطبع رقم سيدعم ميزان المدفوعات وحصيلة البلاد من النقد الأجنبي، في وقت يعجز فيه البنك المركزي من توفير مبالغ لاستيراد الأدوية المنقذة للحياة، ناهيك عن تحريك الطاقات المعطلة لعدم توفر العملات الأجنبية، وبالتالي يقف عائقاً أمام استيراد مدخلات الإنتاج، وقطع الغيار من ناحية أخرى، وبالتالي فإن توفير مبلغ بهذا القدر يمنح الاقتصاد فرصة ويخرجه من الانعاش، رغم أنه ضئيل مقارنة بحجم الاحتياجات ودخول المبلغ في خزينة البلاد سيكون مكسباً إذا تم توجيهه في الاتجاه الصحيح، من توفير لمواد خام ومشروعات زراعية، أما إذا تم توجيهه في كماليات مثل التوسع في البناء وزيادة العربات الحكومية، وسفر المسؤولين في رحلات لا طائل من خلفها، وأضاف الرمادي مثل هذه القروضات تخضع لاتفاقيات معينة، وبالطبع إضافة حسنة وخطوة في الاتجاه الصحيح، ودعا لبذل جهود إضافية واستقطاب مبالغ لتحريك عجلة الاقتصاد.

تغييب العلم
الضرورة لا يقدرها السياسي وإنما العلماء كذا بدأ عضو مجمع الفقه الإسلامي جلال الدين المراد حديثه مواصلاً، ما لم تصدر فتوى من مجمع الفقة الإسلامي أو هيئة علماء السودان، سيكون هناك خلل.. واصفاً ما يحدث بغياب الورع بالبرلمان، وقد يختلف الأنس في الأحكام أما في الربا لايوجد اي اختلاف وحالة الضرورة يقدرها العلماء وليس السياسيين، وحتى الآن ليس هناك مايستدعي إجازته، وأضاف أن الاجتهاد خاطئ في ظل تغييب أجهزة معترف بها وقال المراد مايحدث الآن شبيه بما حدث في قرض سد مروي، الربا فيه محاربة من الله، واتذكر عندما كنت عضواً بالمجلس الوطني في العام 2010 حيث أجيز قرض سد مروي ووقفت باعتبار عدم وجود ضرورة في الأمر، وبالطبع لم يحقق الآمال المرجوة منه وهذه محاربة من الله.

آلية جديدة:
كشف عضو لجنة التشريع بالمجلس الوطني وعضو آلية النظر في القروض بالفائدة محمد الحسن الأمين عن تكوين رئيس الجمهورية لآلية تضم عدداً من العلماء ويترأسها رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور محمد عثمان صالح ، ود. عبد الحي يوسف، وعدداً من أساتذة الجامعات، حيث وجه رئيس الجمهورية عرض اي قرض على الجهات دون المرور بهذه الآلية، ومن حقه الاجتماع بهم تحت اي لحظة خلاف اجتماعاتهم الشهرية، وبالطبع لديها لائحة وضوابط، وتنظر في جميع قروض الدولة ذات الفائدة، ومن ضمنها القروض التي تساهم في الاستقرار كالقروض الموجهة للمياه، ومناطق الحروب والنزاعات والزراعة، وسبق لنا أن رفضنا قرضاً لوزارة المعادن لعدم وجود ضرورة تقتضي الموافقة عليه، وفيما يتعلق بالقرض الكويتي قال الأمين إن القرض تمت مناقشته، ووجدنا أن هناك عوامل مهمة كالمياه والزراعة وبكل تجرد قمنا بمناقشته، ولا نعيش في عالم معزول، وصحيح أن الربا حرام ولا خلاف على ذلك، ولكن تقييم الأوضاع كان مختلفاً.

مؤهلون:
أضاف الأمين العام لهيئة علماء السودان ابراهيم أحمد الكاروري: علينا أن لا نخلط بين الحكم والفتوى، فحرمة الربا لا يستطيع أحد التغيير فيها.. أما الفتوى مثل شرب الخمر في صحراء ولحظة اضطرار، وسبق أن انعقدت ورشة حول القروض الربوية، وخلصت إلى تقدير حالات الضرورة، والآن لا امتلك حيثيات القرض ولكن اعتبر أن العلماء الموجودين بالآلية مؤهلين لاصدار الفتوى.

نظام تقليدي:
يقول مدير أحد أفرع البنوك مفضلاً حجب اسمه: إن البنوك التي يقترض منها السودان لا تتعامل بنظام إسلامي، الأمر الذي يصعب من وجود مخارج وحلول أخرى، وقسم المدير القرض إلى ثلاثة أنواع قرض أموال ودائماً يعود بفائدة، وآخر دون أرباح ويُسمى قرض حسن، ومرابحة.
وقال إن العمل البنكي مبني على استقبال ودائع العملاء بسعر فائدة أقل ويقرضها للمتعاملين بسعر فائدة أعلى خلاف البنوك الإسلامية التي تقوم بتمويل مشاريع بمختلف أنواعها، ودعا السلطات للتعامل مع البنوك الإسلامية.

حاجة ماسة:
يقول رئيس هيئة علماء السودان ورئيس آلية النظر في القروض بالفائدة بروفيسور محمد عثمان صالح إن القرض سيُحيي الأرض ويساهم في الزراعة، لأن المنطقة منطقة حروبات، فهناك حاجة ماسه للقرض، ولذلك يصبح من الضرورات التي تبيح المحظورات، ولو كان في اي مجال آخر لرفضناه، وتوصلنا لذلك بعد نقاش مستفيض بين الخبراء والفقهاء، وعن إمكانية وجود خيار آخر أجاب صالح لا يتوفر اي خيار، كما أنه يقع مع الضرورات مثل (المياه، الدواء، الغذاء والدفاع).

نافذة:
أضاف المحامي حيدر التوم: القروض تخضع لاتفاقية الدولة لأن مسؤوليتها كبيرة، ولها تبعات ولابد من إجازتها بالمجلس الوطني لتأخذ شرعيتها مثل اية اتفاقية دولية حتى تكون نافذة، وتسري على الحكومات المتعاقبة، باعتبار أنها تقع على عاتق الوطن.

تحقيق معاوية عبد الرازق
صحيفة آخر لحظة