عبد الباقي الظافر

السنوسي يعود إلى البيت القديم


في ذلك المساء من يوم الخميس نام العقيد مارتن ملوال مبكراً على غير العادة ..في الصباح حينما استيقظ سمع بانقلاب قد خطف السلطة من الحكومة الشرعية..ارتدى مارتن ملابسه على عجل واتجه إلى وحدته العسكرية في سلاح المظلات بشمبات ..هنالك علم أن قائد الانقلاب الجديد ليس سوى صديقه وقائده العميد عمر حسن.. بعد ساعات تم استدعاء الضابط مارتن إلى القيادة العامة حيث أبلغه قائد الانقلاب بأنه بات واحداً من أعضاء مجلس قيادة الثورة..ضحك مارتن وهو يسأل “انقلاب دا بتاع منو” .
في شهادة الشيخ الترابي على العصر قدم إفادة في غاية الأهمية.. الحركة الاسلامية كانت تتوجس خيفة من أن يختطف عسكرها الانقلاب الذي صنعته بمكر ..حتى لا يحدث ذلك السيناريو تم تشكيل مجلس قيادة الثورة من ضباط لا يعرفون بعضهم البعض..بل إن الخلايا العسكرية كان يقودها مدنيون من أمثال عوض الجاز وعلى الروي وأحمد علي الفشاشوية وغيرهم من شيوخ الجبهة ..بالفعل قبل أن تبلغ الثورة الفطام كان اثنان من أبرز قادتها يغادران الكابينة وهم العميد عثمان أحمد حسن والعميد فيصل أبوصالح ..ثم بضربة أخرى تم في العام ١٩٩٣ حل مجلس قيادة الثورة..حينما خلا منصب النائب الأول باستشهاد الفريق الزبير صالح، تم تمدين المنصب باختيار الأستاذ علي عثمان محمد طه..لو لا المفاصلة لواصل الشيخ سياسية إزاحة العسكريين من الواجهة.
الحقيقة أن الترابي لم يكن له مشكلة شخصية مع حوارييه من العسكر الذين بايعوه على المنشط والمكره.. لكنه كما ذكر لاحقاً كان يتحسب من العصبية العسكرية التي تعلو على ما سواها عندما تتمايز الصفوف..بالفعل لم يقف مع الشيخ عند المفاصلة الشهيرة من منتسبي الجيش سوى العقيد محمد الأمين خليفة..كل ذلك الحذر من الشيخ الترابي كان خوفه من انفراد العسكر بالسلطة، وعدم العودة للحكم المدني، كما حوت مقررات مجلس شورى الجبهة الاسلامية.. طرح قانون التوالي السياسي كان أول صدام بين الذين يعتقدون أن الانقاذ جاءت لتبقى، والآخرين الذين ينظرون لها مجرد استراحة لتنظيم الصفوف، ومن ثم العودة للحكم المدني القائم على الشرعية الشعبية.
استغربت من تصريحات الشيخ إبراهيم السنوسي في الإفطار الذي نظمه شباب الحزب الحاكم في بيت الرجل في ضاحية الرياض..وقع الأمين العام للشعبي في الفخ المنصوب بعناية، حينما ذكر أن الفروقات وهمية بين الحزب الحاكم والحزب الشعبي المعارض..ثم زاد كيل بعير حينما حث شباب الاسلاميين هنا وهنالك أن يعضوا على الانقاذ بالنواجذ..كان شيخ إبراهيم يعبر عن فكرة أن الإنقاذ جاءت لتبقى في الحكم.
لكن تصريحات السنوسي ستصطدم بوقائع ماثلة في المشهد.. إذ كان غاية الاسلاميين هى الوصول إلى السلطة على ظهر دبابة، لماذا جاءت المفاصلة بين الوطني والشعبي..هل كانت مجرد صراع سلطة بين المشير والشيخ ..وكيف يفسر السنوسي وهمية الصراع والجناح الذي انفرد بالسلطة كان يضع الترابي في حبس انفرادي في معية الفئران وصحبة المياه الآثنة..هل كانت إقامة يوسف لبس الطويلة في كوبر والتي تجاوزت العشر سنوات مجرد فاصل في الوهم السياسي.
بصراحة..الشيخ ابراهيم السنوسي يقود المؤتمر الشعبي للعودة لبيت الطاعة الحكومي حتى دون أن يتحمل الفصيل القابض دفع نفقة الإقامة في مثل هذه المنعطفات يفتقد الناس الشيخ الترابي الذي كان يريد إنقاذ الانقاذ بأقل الخسائر.