مقالات متنوعة

اسماء محمد جمعة : مشاريع السراب


حكومة المؤتمر الوطني منذ أن وصلت إلى سدة الحكم أنتجت الكثير من المشاكل وعقَّدتها بسوء الإدارة حتى أصبحت أزمات، بل وكوارث، وهي دائماً تعتقد أنها تفعل الصواب، لأنها تقيس الأمر بمصلحتها الشخصية ضاربة عرض الحائض بمصلحة البلد والشعب، لا تعجبها آراء الآخرين ولا تؤمن بالشورى ولا التخطيط، ولذلك هي دائماً تعتمد على ارتجال المواقف وفرض سياسة الأمر الواقع بأنانية مطلقة، فتجد نفسها قد وقعت فيما هو أسوأ، فتدفع الكثير من المال وتبذل جهداً كبيراً وزمناً طويلاً دون أن تحقق شيئاً يذكر للمصلحة العامة وهي بهذا الحال منذ 27 سنة، شغالة ساقية جحا ورغم هذا تكابر والسودان يخسر.
كثيرة هي المشاريع والبرامج التي فرضتها الحكومة على الساحة السياسية و استمرت فيها زمناً طويلاً من المشروع الحضاري وحتى الحوار، لتكتشف أنها لن تصل إلى نتيجة، فتملأ الدنيا صخباً ببرامج وأفكار ميتة تلهي بها الناس، فجعلت كل قضايا السودان محل خلافات حتى المتفق عليها في الماضي، وفي كل مرة يحصد السودان نتيجة أسوأ وواقع يزيد اضطراباً، ورغم ذلك هي سعيدة بالمناخ الذي صنعته لنفسها وتعتبره نجاح تفاخر به، لأن الكل أصبح يدور حولها، تشغل المعارضين بموضوع والشعب بموضوع آخر وتجعل كل في وادٍ يبكي ليلاه، وتوهم الجميع أنها تسعى إلى الحل معهم ليكتشفوا أنهم وقعوا في دوامة ليس لها آخر، الشعب في حالة صبر والآخرون يحاربون ويهادنون، يعارضون ويحاورون، يتمردون ويخنعون وهكذا، الكل يجري خلف سراب يعتقد أنه مشروع لسودان مستقر.
الحرب والفوضى في القبل الأربع للسودان، الحكومة من صنعتهما وهي الآن بإمكانها أن توقفهما أن كانت شجاعة مع نفسها ولكنها ليست كذلك، الآن هي في ورطة الكل يريد حلاً شاملاً وهي تريد حلاً تظل وحدها الفاعل فيه فتفتح ألف جبهة للحل مثلما فتحت ألف جبهة للحرب.
مساعد رئيس الجمهورية ونائبه في المؤتمر الوطني أعلنا قبل يومين- أنهم سيطلقون (حملة وقف الحرب والاتجاه إلى التنمية)، وطبعاً مثل هذه الحملة تحتاج إلى برامج واجتماعات ودعوات ولقاءات إقناع ولجان تقوم وأخرى تقعد واستهلاك زمن ومال، نفس إجرءات الحوار، وهذا الكلام لم يصرحا به من فراغ، فلا شك أن الحكومة بصدد مشروع سراب جديد، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه ما هي الفائدة من الحوار؟ أليس هو الآخر حملة من أجل وقف الحرب والاتجاه إلى التنمية؟، أم أن الحكومة وصلت بالحوار إلى المحطة التي تريدها وهي موقنة أنه لن يوقف الحرب ولا يحقق التنمية لأنها ستخسر؟ .
حكومة المؤتمر الوطني منذ أن حكمت السودان وحتى الآن لم تصل بأي مشروع إلى بر النجاح، فهي (لا بترحم ولا بتخلي رحمة ربنا تنزل) ورغم ذلك تعرف كيف تجرجرالجميع لتستفيد من الزمن ومن الفراغ الذي ترك لها نتيجة انشغال الناس لتفسد، وفكرة إطلاق حملة لوقف الحرب والاتجاه إلى التنمية -غداً – ستجد من يتبعها من المعارضة، فقد أصبحوا جميعاً يلهثون خلف مشاريع الحكومة السراب دون ملل، ولكن الأهم من كل ذلك قد يعلن الشعب نفاد صبره تحت أي لحظة.