الطيب مصطفى

بين الكبريت الصابون!


إذا كان المسلم منهياً عن المن على الفقير الذي يتصدق عليه من حر ماله فما بالك بمن يمتنون على من يفترض أنهم أصحاب المال؟!

أقول ذلك بين يدي ما تم تداوله من حديث ملأ الأسافير والصحف ومقالات الرأي حول ما أدلى به النائب السابق للرئيس والقيادي بالمؤتمر الوطني د. الحاج آدم الذي زعم أن الشعب السوداني لم يعرف الكبريت والصابون والكهرباء والماء قبل الإنقاذ .

أعجبتني سخرية كاتب صحيفة الوطن الفاتح محمد الأمين الذي ذكر الناس بأن الفنان أبو داؤود بل وزنقار كانا يغنيان وهما (ينقرشان) بالكبريتة، وأقول للحاج آدم إننا كنا في أوائل ستينات القرن الماضي ، في نهاية المرحلة الوسطى وبداية المرحلة الثانوية، نعمل خلال العطلة الصيفية في مصنع سوداني للكبريت بالمنطقة الصناعية بالخرطوم بحري – كوبر – وكان معي صديق الصبا محمد حسن أحمد البشير، أما خدمات الماء والكهرباء فقد شهدتهما العاصمة أيام الإستعمار الإنجليزي، وكان التيار لا يقطع أكثر من الساعة والساعتين ولا يتم ذلك قبل إصدار إنذار من (شركة النور) بتوقيع أحد الخواجات.

27 عاماً أو أكثر من ربع قرن من حكم الإنقاذ وقيادات الإنقاذ يمنّون على الشعب السوداني بالصابون والكبريت بينما دول أخرى نالت استقلالها معنا طوّرت القنبلة النووية وأطلقت أقمارها الصناعية إلى الفضاء، بينما نحن لا نزال نرزح في حفرة التباهي بالصابون والكبريت بعد أن بات توفير الماء والكهرباء بصورة مستقرة حلماً بعيد المنال.

لو كان المن والأذى الذي يسلقنا به أهل الإنقاذ قد اقتصر على الحاج آدم لربما سكتنا وتجرعنا الصبر ولكن الأمر أصبح نهجاً دائماً منذ وزير المالية السابق الذي اختار البيتزا ليفاخر بها، ثم د.نافع الذي اشتهر بإطلاق التصريحات النارية ولم تستثن حتى مساعد الرئيس إبراهيم محمود رغم أدبه الجم ولسانه المنضبط.

ترددت كثيراً قبل الكتابة حول هذا الأمر ذلك أن تصريحات الكبريت والصابون وغيرهما من الاستفزازات الفاقعة للمرارة أخذت حظها من التعليق في الصحف والأسافير، ولكن أردت ألا يفوتني شرف المشاركة في استنكار هذا السلوك البغيض حتى أسهم في لجمه إلى الأبد سيما وأنه لا يجوز لمن يرفعون عقيرتهم بشعارات الإسلام الذي يستنكف أن يتحدث المرء بما يجود به على الغير فكيف بمن يحب أن يحمد بما لم يفعل ويتباهى ويتفاخر بما في أيدي الناس الذين أنعموا عليه بسلطة وثروة أرغمهم قهراً على تمكينه منها .

ليت تصريحات أهل الإنقاذ تتوقف عند هذا الحد، وليتهم يحاكون بعض قياداتهم الصامتة عن القول وأذكر على سبيل المثال إحقاقاً للحق واعترافاً بالفضل وإثباتاً لحقيقة أننا لا نصدر عن بغض وشنآن يحملنا على ألا نرى إلا بعين السخط والعداء .. أقول اذكر النائب الأول للرئيس الفريق أول بكري حسن صالح بلسانه العف عن المن والأذى والذم والسخرية.

لو أنصف أهل الإنقاذ لاستحوا قبل أن يتحدثوا عن إنجازاتهم ولقارنوا بدول صارت عظمى في أقل من نصف مدة حكمهم، فتركيا على سبيل المثال صعدت من المركز رقم (111) من حيث قوة الاقتصاد إلى المركز رقم (16) على مستوى العالم أجمع، وماليزيا ارتفع دخل الفرد خلال (25) عاماً إلى (16) ألف دولار بعد أن كان حوالي ألف دولار، فأين نحن من هؤلاء ؟.

ليت الحاج آدم وبقية قيادات الإنقاذ يقرؤون تقارير المنظمات الدولية عن وضع السودان الاقتصادي مقارناً بدول العالم الأخرى حتى الأفريقية لكي يتوقفوا عن استفزاز هذا الشعب الصابر المحتسب، فبلادنا تخلفت بسبب أزماتنا السياسية والاقتصادية والأمنية التي عجزنا عن مواجهتها بما في ذلك فشلنا في إقامة نظام حكم راشد ينبني على النهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وما لم يثوب أهل الحكم إلى الانصياع لمطلوبات الحكم الراشد بعيداً عن شح النفس الأمّارة التي توهم صاحبها أن نساء السودان قد عقمن بعده والتخلي عن (الكنكشة) والطموح إلى الحكم الدائم فإنه لا أمل في إصلاح يضع السودان في مسار التاريخ بعد أن خرج منه أو كاد.