عثمان ميرغني

استوردوا.. خُضَرا.. أو بَشرا!!


وزير الزراعة بولاية الخرطوم؛ نفى تهمة عجيبة موجهة لولاية الخرطوم.. أنها تستورد الخضروات من الولايات الأخرى، فقال الوزير(نحن لا نستورد خضروات)!!
أفهم أن تعمل دولة وتفتخر أنها لا تستورد حاجياتها من دولة أخرى.. لكني لم أفهم نفي(العيب!) عن ولاية الخرطوم أنها لا تستورد من رصيفاتها الولايات الأخرى!
ولاية الخرطوم هي أكبر سوق استهلاك في السودان.. فإذا كانت سياساتها تعمل على (عدم!!) فتح أسواقها لواردات الولايات الأخرى؛ فإن ذلك دعوة عريضة لكل سكان الولايات للنزوح إلى العاصمة وتفريغ الولايات.
النظرة الاستراتيجية الحصيفة يجب أن تقوم على مبدأ (التكامل) لا التفاصل.. للدرجة التي أتصور أن تدفع ولاية الخرطوم من حر مالها لمستثمرين في الولايات حتى تضمن (توازن توزيع) التنمية للحد من الهجرة إليها..
على كل حال؛ الأمر لا يتعلق بوزير الزراعة بولاية الخرطوم وحده.. فالنظرية القومية الكلية غائبة تماماً في مفاهيم الدولة.. حتى هذه اللحظة لا نملك خارطة قومية موجهة National Plan.. وتُرتكب أخطاء عظيمة من وحي (العبقريات!!) الملهمة.. فنسمع بمشروعات لا علاقة لها ببيئة الولاية؛ لكن فقط رمى بها القدر المحفوف بنزوات التباهي والكسب السياسي الضيق الذي سرعان ما يتضح خطله بعد أن تهدر موارد مالية ضخمة في مشروعات فاشلة.. الأمثلة كثيرة جداً.. أتركها لفطنة القارئ.
لماذا لا يكون لنا استراتيجية لمنظومة المدن الارتكازية.. التي تجمع حولها محيط تنمية يرتكز عليها.. وتنال كل مدينة قوتها وثقلها القومي من حجم وقوة محيطها التنموي..
مثلاً.. مدينة مثل (نيالا)عاصمة جنوب دافور، تشكل مرتكزاً تنموياً قوياً ربما الثاني بعد العاصمة الخرطوم.. بقوة وثقل المنظومة المحيطة بها وترتكز عليها.
تبادل الأدوار التنموية بين المدن يساهم في إعادة توزيع الكتلة السكانية المشوهة حالياً( كل المنطقة من شمال “الجيلي” حتى أقصى حدود السودان مع مصر لا يقيم فيها إلا حوالي مليون ونصف نسمة فقط.. أي ما يعادل سكان منطقة الحاج يوسف).
وهذا الخلل في توزيع الكتلة السكانية مهدد أمني بامتياز..لأن تفريغ مساحات كبيرة من جغرافية السودان يخلق ثغرة أمنية خطيرة للغاية.. وقد رأينا ما يحدث في شرق السودان الآن؛ بسبب تضعضع البنية السكانية ونزوحها المستمر إلى الداخل.. فمدينة مثل “كسلا” مكشوفة الآن في الهواء الطلق لا ينقصها إلا قَدَر مثل مصير حلايب وشلاتين.
مجرد استخدام مفردة (استيراد!!) لوصف حركة التجارة بين ولايات السودان يكشف خللاً في استيعاب مغزى ومفاهيم الحكم الـ(لا) مركزي..
و يا سعادة وزير الزراعة.. أمامكم خياران.. إما أن (تستوردوا) منتجات الولايات.. أو(تستوردوا) سكانها.. فاختاروا..!!