مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : اغتيال الكراهية في قلب الديمقراطية


دفعت عضوة مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال المعارض، جو كوكس حياتها ثمناً لموقفها الداعم لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وتعاطفها مع أزمة اللاجئين. توفيت جو كما قال زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين “في قلب ديمقراطيتنا، تستمع إلى الناس الذين انتخبت لخدمتهم وتمثلهم”.

تم الكشف على استحياء بأنّ القاتل الذي يُدعى توماس ماير، وهو من أهالي منطقة النائبة المغدورة، له ارتباطات قديمة مع جماعة يمينية متطرفة في لندن مؤيدة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتمت الإشارة إلى تعاطف المتهم مع المجموعات اليمينية المتطرفة، التي تقف ضد اللجوء واللاجئين للبلاد، بكل حذر وحرص.

على إثر حدّة الخطاب العنصري في الغرب تفشت ظاهرة الكراهية للداعمين لأجناس أخرى ومنهم العرب والمسلمون واللاجئون من دول العالم الثالث، مما حدا بدولة مثل ألمانيا أن تطلب من شركات التواصل الإجتماعي: فيسبوك وغوغل وتويتر، محو أي خطاب يتضمن عبارات تشي بالكراهية. وقد وافقت هذه الشركات على طلب ألمانيا التي أثبتت بقيادة أنجيلا ميركل أنّها الأكثر تحضرّاً وقبولاً للآخر في التجربة التي خاضتها متحدية الغرب باحتواء عدد كبير من اللاجئين السوريين. وليست ألمانيا هي الوحيدة، فثمّة ضوء آخر سطع من كندا وفي مقدمتها رئيس وزرائها الشاب، والتي استقبلت آلاف اللاجئين بنشيد أثار الشجون واغرورقت له الدموع “طلع البدر علينا، من ثنيات الوداع”.

ونكصت عن هذا التوجه الإنساني، فرنسا في موقفها الأخير بدعمها لبشّار الأسد وكأنّها تنتقم لضحايا هجوم باريس الأخير من الشعب السوري كله. أما الأكثر ارتباكاً فهي بلاد الحرية وأكثر البلدان تحضّراً وتغنيّاً بنبذ العنصرية. وإن لم يكن الموقف الأمريكي الذي تبدّى في تصريحات المرشحين الرئاسيين، رسميّاً حتى الآن فإنّه في طريقه إلى ذلك لأنّ كلاً منهم تنضح خطاباته عنصرية ضد المسلمين، وتزيد في حالة دونالد ترامب.

هذه الدعوة التي استجابت لها وسائل التواصل الإجتماعي، لأنّها الأشد تكثيفاً والأكثر استغلالاً لمثل هذا النوع من الخطاب، يستغلّها الأشخاص والجهات المختلفة لشعبيتها الواسعة. وهذه الخطوة تسهّل على المستخدمين والجماعات المناهضة للعنصرية إبلاغ الفرق المتخصصة بالشركات الثلاث عن محتوى الكراهية، وعندما يظهر تجاوزاً لحدود حرية التعبير وعندما يتعلق الأمر بمصطلحات إجرامية وتحريضية، والحثّ على شن جرائم تهدّد الناس، يتم محو مثل هذا المحتوى مباشرة من على الشبكة العنكبوتية.

هذا بالنسبة لثلاث شركات فقط، هي الأنجح في عالم الإنترنت، ولكن ماذا عن بقية الوسائل الأخرى التي تتخذ من المنتديات أو الجروبات المفتوحة أو المغلقة على الواتس آب مثلاً مسرحاً لنشر هذه الضغائن.

هذه الحملة الخارجية ضد الكراهية ينبغي أن تقابلها حملة أخرى تسير في نفس الاتجاه وبشكل أكثر جديّة. هذا الخطاب يتم ممارسته فيما بين أبناء الوطن العربي، فهناك تصنيفات على مستوى الإقليم الجغرافي، وتصنيفات على مستوى الجنسية وحتى بين الحدود السياسية للدولة الواحدة، هناك تصنيفات على مستوى الطائفة وعلى مستوى القبيلة وفي كلٍّ منها يكمن الخطر. وهذه التصنيفات كلّها تقوم على عنصري التميّز والاستعلاء، مقابل دونية واضطهاد الغير، لهي أشدّ مضاضة مما يعانيه المسلمون والعرب في الغرب لأنّها في هذه الحدود الداخلية تهدم ركن الانتماء للأمة ككل وتهدم في إطار الدولة الانتماء للوطن الواحد.

أما لماذا تنجو الكراهية كفعل من شملها بأيٍ من هذه القوانين، فلأنّها على بشاعتها تعبير فضفاض قد يجمع في محتواه أياً من الممارسات والجرائم، ولكن يصعب الإمساك به ما لم يتحوّل إلى فعلٍ واقعي مكتوب أو مُمَارس أو داعياً إلى اتّباعه.

أما الكيل بمكيالين لما يتم في الغرب من جرائم، في حالة إن كان الجاني مسلماً أو في حالة قاتل النائبة البريطاني، فقد فجّر إزاءه مدير تحرير صحيفة فايننشال تايمز، روبرت شريمسلي رأياً صارماً بأنّ القاتل لو كان مسلماً أو أحد أبناء المهاجرين، لما اتسمت تغطية الإعلام البريطاني للحدث بهذه الحصافة والتعقل.