صلاح حبيب

أين ذهب المسحراتي!!


كثير من العادات التي كانت في رمضان تكاد أن تكون قد انقرضت أو كادت أن تنقرض، فالمسحراتي من العادات الجيدة والتي تمارس في كل ولايات السودان، ولا أظن أن ولاية أو مدينة صغيرة أو كبيرة قد خلت من المسحراتي في شهر رمضانـ، ويبدو أن حياتنا قد تغيرت وأصبحت البرامج بالفضائيات المختلفة قد جعلت الصائمين ينتظرون حتى أذان الفجر، كذلك الأجهزة الذكية والواتساب وغيرها من وسائل التواصل المختلفة جعلت المواطن في حالة يقظة دائمة، ولفترة طويلة لم أسمع صوت المسحراتي ولا نوبته أو الآلة التي يطرق عليها قائلاً أصحا يا نائم وحد الدائم.
وهنا أعيد بالشريط للوراء ولعدد من السنين عندما كنا شباباً وفي بداية المرحلة الثانوية تقريباً كنا مجموعة من الشباب الآن يتقلدون مواقع مختلفة من بيننا سفراء وأساتذة جامعات وأطباء، كنا لا ننوم الليل خلال الشهر الكريم نصلي العشاء والتراويح بمسجد الحارة الثانية بالثورة، وهو من المساجد التي تجمع عدداً كبيراً من الشباب في بداية حياتهم، وحفظهم المسجد من الانحراف الذي يحدث للشباب أثناء فترة المراهقة، في هذا المسجد وخلال شهر رمضان كنا نقوم بدور المسحراتي فنحمل الصفائح وبعض الأدوات التي تستخدم في إيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور، كنا نخرج من الحارة الثانية ونلفها شارع، شارع وزقاق زقاق، ثم ننتقل إلى الحارة الأولى وهي سكن بعض الزملاء الذين معنا، ومن ثم ننتقل إلى الحارة الرابعة وأيضاً نلفها شارع، شارع وزقاق زقاق ثم ننطلق إلى الحارة الخامسة الثورة، ونطرق على تلك الأدوات منبهين الصائمين بالقيام أصحا يا صائم وحد الدائم، كنا في قمة النشاط والحيوية، كنا في ريعان الشباب لا هم لنا في الدنيا على الرغم من أن المساكن متباعدة، هؤلاء في الثانية وهؤلاء في الخامسة أو السادسة، بعيدين عن الحقد والحسد وأطماع الدنيا، ما في جيبك حق الآخرين والبيوت مفتوحة ندخلها بلا استئذان ونتعرف على كل أفرادها.
وما زالت تلك العلاقات الاجتماعية بيننا متوفرة وموجودة، الكل يبحث عن الآخر في المناسبات وغيرها وإذا التقينا تذكرنا أيام الطفولة والصبا وأيضاً أيام الزمن الجميل، لقد افتقدنا المسحراتي وهذا الجيل حرم من متع كثيرة وانشغل بالوسائط المختلفة التي جعلته يتعامل معها في صمت.
وهنا نحي كل الإخوة والزملاء والأصدقاء الذين كانوا معنا يسحرون الصائمين السفير “العبيد محمد العبيد” والدكتور “عاصم الباقر” والباشمهندس “عمر أبو الزين” والدكتور “إمام محمد عبد الرحيم” أستاذ بإحدى الجامعات السعودية والدكتور “كمال محمد عثمان” والأستاذ “الباقر علي الباقر” بدولة الإمارات والأستاذ “عوض سليم” بالمملكة العربية السعودية وكل رمضان وأنتم بخير.