مصطفى أبو العزائم

“الترابي” عاشق النجاح الذي يفاجئه السقوط!


ومعنى العنوان أعلاه ليس من عندي، وإن كان من “عندياتنا”، فقد ورد ذلك المعنى ضمن مقال لأخي وصديقي وقريبي الدكتور “أحمد آدم أحمد موسى” تنشره له صحيفة التيار الغراء يومياً تحت عنوان (شوية كلام).. وحقيقة إنه ليس بـ(الشوية) ولا بالقليل إن استصحبنا الدلالات وعمق المعاني.
بالأمس كتب الدكتور “أحمد آدم” مقاله ذاك تحت عنوان (زنقة الشيخ) تعليقاً على حلقة الأحد الماضي التي بثتها قناة الجزيرة، سلسلة لقاءاتها مع الشيخ الدكتور الراحل “حسن الترابي” رحمه الله رحمة واسعة، وذكر الدكتور “أحمد آدم” أنه لم يكن سعيداً بتلك الحلقة لأنه رأى الشيخ “الترابي” وهو (مزنوق) وأنه كان (ممغوص) من “علي عثمان” الذي كان مشروع خليفة له، لكن “الترابي” – كما جاء في المقال – بعثر مسبحة المشيخة.. وهدم القبة، وشيخ “علي” لم يتبعثر، وأصبح أستاذ “علي عثمان”.. فالرجل بعد مفاصلة الشيخ تقدم ولكنه كما فعل مع الشيخ حاول أن يتقدم على رجال الرئيس.
ويستطرد كاتب المقال مؤكداً أن الشيخ المرحوم – بإذن الله – كان يحب النجاح ويفاجئه السقوط.. أسقطه “حاج مضوي” في “ود الترابي” وأسقطه “حسن شبو” في الصحافة وجبرة – وأسقطه “البشير في رمضان.. يجيد الحديث ولا يحسن الإعلان.
تلك بعض الجمل التي وردت في مقال الدكتور “أحمد آدم” ورغم أن صاحبكم مثل الكثيرين لا يحب التعليق على ما كتبه الآخرون من زملاء المهنة، إلا عند الضرورة، فإن ضرورة حتمية تستوجب التعليق على ما كتبه الدكتور “أحمد آدم” وهي أن الحلقة العاشرة من حلقات سلسلة (شاهد على العصر) والمسجلة مع الشيخ “الترابي” في العام 2010م، والتي قدمها الأستاذ “أحمد منصور” الذي برع في حواره مع الشيخ واتكأ على معرفة واستذكار استقصائي وتحليلي لمسيرة الشيخ “الترابي” في سلسلة حلقاته التي اشترط الشيخ الدكتور “الترابي” بثها بعد انتقاله إلى الدار الآخرة، نقول إن الضرورة الحتمية تنطلق من كون كل حلقات السلسلة الذهبية هي جلسات اعتراف نادرة (حيّة) و(موثقة) وللناس إن شاءوا الاتفاق على ما جاء فيها، أو الاختلاف حوله، لكن صنّاع التاريخ مازالوا أحياء بيننا، وأقل – للدقة – إن أكثرهم ما زال حياً بيننا يمشي في ردهات السلطة أو الأسواق ويأكل الطعام.
لم يكن “الترابي” بعيداً عن مركز اتخاذ القرار، خلال سنوات الانقلاب الإنقاذي الأولى، ولم يكن مستشاراً للحكام الجدد، لكنه كان هو (الكل في الكل) وهو صانع القرار الذي لا يقبل المراجعة، بل إن أحدهم أبلغني من قبل إن مذكرة صغيرة من الشيخ “علي” قصاصة ورق بيضاء كانت كفيلة بصناعة تغيير كبير، وقد أراد أن يجعل – رحمه الله – ممن حوله مجرد (كورس) يدعم به وجوده ويمدد به حضوره ويكسوه بكل الألوان لحظة اعتلاء المسرح السياسي، لكن الذين كانوا يمثلون الجيش آنذاك لم يرضهم الأمر، وهم الفريق وقتها “عمر حسن أحمد البشير” واللواء “بكري حسن صالح” واللواء “عبد الرحيم محمد حسين” وغاب عن الشيخ أن من اختير لتأسيس ورئاسة جهاز الأمن الجديد لنظام الإنقاذ لم يكن قريباً منه، لذلك – والله أعلم – ظهرت للشيخ بعض الخفايا ولم يظهر أمامه الكثير.
أصحاب (الكاكي) اقترب بعضهم نحو بعض رغم أنه لم تكن هناك أية علاقة تربط بين “البشير” و”عبد الرحيم” قبيل الثلاثين من يونيو، وقد قال لي بذلك الفريق أول مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” وانحاز إليهم أستاذ الزراعة في جامعة (الخرطوم) الدكتور “نافع علي نافع” ورأى كثير من الذين أرادوا التحرر من قبضة الشيخ “أن ينحازوا لمعسكر الدولة، فكان، حتى أن الشيخ “أحمد عبد الرحمن محمد” أمد الله في أيامه – قال لي إن شيخ “حسن” جمعنا وكان عايزنا نأخذ موقفاً.. نحن كنا عشرة وأنا اتصديت لي كلامه بكل أدب وقلت ليهو نحنا ما بنقيف معاك ونخسر مشروعنا ونخلي السلطة والأمور كلها في أيد الجيش.
هذه دعوة لإعادة قراءة تاريخنا السياسي المعاصر لإعادة كتابته من جديد.