الطاهر ساتي

وثائقيات ..!!


:: عندما يستقبلك هاتفك أخبار وكالة تشترك فيها، فهذا يعني أن الوكالة لا تمدك إلا بخبر (عاجل) أو (مهم)..ومساء أمس، قبل الإفطار بنصف ساعة، أرسلت الوكالة الإخبارية الخبر الآتي كخبر عاجل أو كخبر مهم (وزارة المالية تكشف عن قرض صيني بشروط ميسرة لمطار الخرطوم الدولي الجديد، بقيمة 700 مليون دولار)..هل يبدو هذا الخبر (عاجلاً) أم ( مهماً).؟..للأسف، لا هذا ولا ذاك، فالخبر ( روتيني للغاية)، ولا يختلف كثيراً عن أخبار القضية الفلسطينية من حيث (اللت) و(العجن) و( التكرار)..!!

:: ومع ذلك، ليس هناك ما يمنع عن نكتب لجيل الإنقاذ عن قصة مطار الخرطوم الجديد..نعم، للأعزائي مواليد العام 1999، وقد أصبحتم اليوم شباباً، وفيكم من جلس لإمتحان الشهادة السودانية لهذا العام، إليكم ما يلي ..في عام ميلادكم، أصدرت حكومتكم قراراً بتشكيل لجنة عليا لتنفيذ مشروع مطار الخرطوم الدولي بأمدرمان..تلاشت اللجنة قبل تنفيذ المشروع، وحل محلها كيان هلامي مسمى بوحدة تنفيذ مطار الخرطوم ..!!

:: لم يكن لهذه الوحدة موقعاً مؤسسياً في هيكلة الدولة..ومع ذلك، كانت للوحدة ميزانية دون أن تخصم من ميزانية الطيراني المدني جنيهاً..فالوحدة موازية لهيئة الطيران في ( الميزانية والمهام)، وتم ذلك في أكتوبر 2005، أي بعد ست سنوات من عمر تلك اللجنة التي تلاشت، وكنتم حينها أطفالاً في ( سنة أولى أساس)..تم تأسيس الوحدة بمبانيها وإداراتها وسياراتها ثم ميزانيتها..وإستبشر آبائكم وأمهاتكم خيراً بهذه الوحدة ( الماعندها كرعين)..فالمهم تنفيذ المشروع، ولذلك إستبشروا بها خيراً..!!

:: مضى العام الأول من عمر الوحدة، ولم يحدث شئ بأرض المشروع غير تسويرها ب ( سلك شائك)..ثم مضى العام الثاني، ولم يحدث شئ بأرض المشروع غير ( حفر آبار)..ثم مضى العام الثالث من عمر الوحدة، ولم يحدث شئ على الأرض غير (التشجير).. ولكن في العام الرابع من عمر الوحدة، كان الإنجاز مدهشاً، إذ تمكنوا من بناء ( فلل فخمة)، مسماة بيوت إدارية..أما في العام الخامس، لقد بلغ الإنجاز مداه، إذ نجحوا في زراعة ( نجيلة)..وعندما مضى العام السادس من عمر الوحدة، لم يكن هناك مشروعاً يصلح بأن يمسمى بالمطار..ست سنوات من التنجيل والتسوير والتشجير – وحفر الآبار – هي عمر الوحدة وإجازها..!!

:: وبعد ست سنوات،أصدرت المالية قراراً بتحويل قروض الصناديق العربية لغرض آخر غير المطار، ثم الإبقاء على الوحدة وميزانيتها..أي صرفت النظر عن المشروع وأكدت حرصها على بقاء الوحدة (بلا شغلة)..وبعد أشهر من هذا القرار الغريب، أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً بحيث تلحق الوحدة مطارها.. نعم، بعد ست سنوات من إهدار المال العام فيها، تخلصت الحكومة منها ومن ( وعودها)..علماَ بأن التواريخ التي حددتها الوحدة كموعد لإكتمال المشروع لاتحصى ولا تعد..كانت تعد الناس بتاريخ إكتمال المشروع، ثم تستغل فترة الموعد في حفر بئر أو زراعة شجرة أو جر المزيد من (السلك شائك)..!!

:: ثم قبل ثلاث سنوات، أكتوبر 2013، بمقر المشروع، تم توقيع عقد ما بين الشركة القابضة للمطارات و شركة جك هاربر الصينية على تنفيذ مشروع مطار الخرطوم الدولي، وتنفسنا – وكذلك الكون من حولنا – الصعداء..(700 مليون دولار)، يسدد خلال (15 سنة)، مع فترة سماح (5 سنوات)، ويتم التنفيذ خلال ( 40 شهراً) من تاريخ التوقيع..واليوم، مضت ( 32 شهراً) من ( 40 شهراً)، ولم نسمع عن المطار غير خبر البارحة (العاجل والمهم).. شكراُ للأحباب – مواليد العام 1999 – على حسن المتابعة، ونتمنى لهم حياة جامعية موفقة، ثم التخرج ومتابعة قصة المطار الجديد..!!