مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : وقفة مع المعارضة


من فرط عاطفتنا الطاغية تجدنا نتعاطف مع اللص الذي يسرق منزل صاحب المليارات، ويلحق به أضراراً بينة.. نتعاطف مع (النشال) حينما نراه يتعرض لـ(لكمات) من صبية أو رجل شرطة ينفذ القانون بحسم.. نتعاطف مع المعارضة لشدة ضعفها وهوانها و(هشاشة) عظامها، لا ننظر في الضعيف إلا إلى موضع ضعفه بينما نغض الطرف عن (فعله) الذي يجب أن يكون موضع الحكم عليه.

على صعيد مجريات المسرح السياسي تجدنا – كصحافة – في كثيرٍ من المرات متعاطفين مع المعارضة، لكونها ضعيفة، وهذا الضعف البيِّن هو الذي استدرت به عطف المجتمع الصحافي التي هي مرآته، ونظن أن المعارضة (تناضل) من أجل الشعب وتدفع ثمن هذا النضال، ولهذا تستحق نظرة العطف وحفظ الجميل وإثبات الفضل لأهله، لكننا لو ألقينا نظرةً موضوعيةً، وبشيءٍ من التجرد لأدركنا في الحال أن المعارضة ليست كما تسوق نفسها، أو كما تصورها (العاطفة) التي يسوقها في كثيرٍ من الأحيان العقل الجمعي.. كثيرٌ من أحزابنا السياسية المعارضة إنتهازية ومراوغة وتفعل المناورات حميدها وخبيثها، وتداهن وتماري على النحو الذي يشبه حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وفي ظني أن أي مجموعة سياسية حزبية تناضل وتكافح من أجل (نفسها) فقط، وليس من أجل المواطن ولا حتى من أجل (حزبها)، إذ أن كثيراً من الممارسات تؤكد بجلاء أن التحركات والبطولات (الدونكشوطية) تنتهي إلى المنصب فقط، ولعل قرار مجموعة حزبية في حزب الميرغني بالمشاركة يكفي للاستدلال على المصلحة الحزبية نفسها ليست الأولوية، ناهيك عن القومية باعتبار أن القرار أضر بوحدة الحزب، وكشف كل عوراته وأضعفه وصب في مصلحة أشخاص فقط، فمن شعار (سلم تسلم) إلى الارتماء في أحضان المؤتمر الوطني، ثم الصمت عن هموم المواطن ورغبات القواعد، فلا الحزب استفاد شيئاً، ولا الشعب الذي (يناضل) من أجله الحزب بل التي استفادت مجموعة يعتبرها الكثيرون انتهازية.. حزب الأمة نفسه لم يترك مساحة للغزل مع النظام إلا وشغلها من أجل إيجاد موضع قدم من السلطة، وفي كل مرة يدخل بنية اقتسام (الكيكة)، فلا يجد ما يشبع رغبته، ويرضي طموحه، فينسحب ثم يعود للتقارب مع النظام مرة أخرى، ثم يقف عند عتبة المشاركة، ثم (يحرد) وقت القسمة، ثم يعود ثم يتردد، وما يفعله ليس من أجل الشعب، بل من أجل مجموعة في الحزب.. انظروا إلى (الشعبي) الذي تحول (ثلاثمائة وستين) درجة ولا يحتاج الأمر إلى تذكير. اروني حزباً واحداً من أحزابنا الكبيرة لم يشغفها حب التعويضات المليارية، بل يقيني أن أحزاب الشعبي والأمة والاتحادي الأصل كانت ضمن أجندة مفاوضاتها مع الحكومة في جميع المراحل بند (التعويضات).

اختم وأقول إن الصحافة الحرة تقدمت بكثير على أحزاب المعارضة، وهي تنافح وتطرح قضايا المواطن وتصارع جهابذة الفساد، وتقتحم أوكارهم وتحمل الكثيرين إلى دائرة المحاسبة ومحاكمة الرأي العام والتأريخ، وهي توثق وتفعل ما عجزت عنه المعارضة. أما الأخيرة (تهش) وترعب الحكومة بـ(أوهام) يتم التوقيع عليها بالخارج ولا قيمة لها ولا أثر إلا على هذه الحكومة المرعوبة، وتكون النتيجة هنا تجييش المواطن وتعبئة واستنفار وإهدار موارد الشعب السوداني، وإلحاق الأذى به والتضييق على حرية الصحافة في مواجهة طواحين الهواء التي لا وجود لها.. اللهم هذا قسمي في ما أملك.

*نبضة أخيرة :

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.