سياسية

نقل الطاقة.. عندما يخضع عبور النفط للمطامع السياسية


لم تقتصر معركة النفط حامية الوطيس، في السنوات الأخيرة، على قضية انخفاض أسعاره؛ إذ يشكل أمن وصول هذا النفط من مناطق إنتاجه، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى الدول المستوردة؛ مشكلة كبيرة تؤرق الطرفين.

وتحتل الاضطرابات والمخاطر التي تحيط بعمليات إنتاج الطاقة ونقلها، حيزًا كبيرًا من اهتمام القوى الدولية، وذلك لما فرضته التغيرات المتعلقة بالدول العربية التي شهدت وقوع ثورات، وجهود هيمنة الدول الكبرى، كالصين والولايات المتحدة الأمريكية، على المناطق الاستراتيجية، فمجرد تعرض سفينة نفط واحدة عابرة من مضيق «هرمز» أو «باب المندب» أو مضيق «قلما» يعني ضربة قوية وفورية لسوق النفط غير المتحمل لمزيد من الأضرار.
إغلاق مضيق هرمز الأخطر الأكبر

انعكاسات جمة ترتب على انهيار العلاقات بين السعودية وإيران، في الفترة الأخيرة، فيما وصلت الأمر لحد المواجهات العسكرية خاصة في اليمن، أدى العداء المتبادل إلى وضع أمن الطاقة الإقليمي في خطر.

فإذا ما بدأنا الحديث عن مضيق هرمز؛ كونه الأهم من بين نقاط الاختناق في نقل الطاقة، تواجه المضيق ذو الأهمية بعض المعوقات – بالرغم من أنه لم يشهد أي تعطيل حتى، عندما اندلعت الحرب بين العرق وإيران – وهو محل صراعات كبيرة بين دول وجماعات انفصالية وقراصنة، مضيق هرمز الذي يعبر منه حوالي ثلثا الإنتاج النفطي الذي يستهلكه العالم، تهدد خطوط نقل النفط الذي تمر عبره بأن يغلق المضيق أمامها من قبل إيران، فلا يستبعد الخبراء أن تقوم إيران ـ مع ارتفاع حدة التوتر بينها وبين دول الخليج، أو في حال تعرضها لضرب من قبل إسرائيل ـ بتنفيذ تهديداتها، إذ لا تنسى دول الخليج ما فعلته إيران عندما قامت أثناء حربها مع العراق بالتعرض إلى 411 سفينة للهجوم منها 239 ناقلة نفط، وغرقت 55 سفينة منها.

وسبق أن هدد مسؤولون إيرانيون على مستوى رفيع بإغلاق المضيق، كما حدث على سبيل المثال في العام 2008، عندما قال قائد الحرس الثوري اللواء «محمد عيل جعفري» «يعرف الأعداء أننا قادرون بسهولة على إغلاق مضيق هرمز لفترة غير محدودة». وفي العام 2012 وقت تشديد العقوبات على برنامج إيران النووي، قال نائب الرئيس الإيراني آنذاك «محمد رضا رحيمي» «لن تمر نقطة نفط واحدة عرب مضيق هرمز»، وبالرغم من أن إيران لم تنفذ تهديداتها، إلا أن بعض تحركاتها تضع المضيق في خطر يهدد أمن الطاقة كما حدث عندما احتجزت إيران العام الماضي (2015) سفينة شحن تابعة لشركة مرسيك، وادعت إيران أن السبب هو نزاع تجاري، فأرسلت الولايات المتحدة مدمرة لمراقبة الوضع قبل أن يتم الإفراج عن السفينة فيما بعد.

وفيما يخص عرقلة صادرات الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق هرمز، تظهر الأرقام أن العام2014، كان بالإمكان تعطيل 103.4 مليار متر مكعب من قطر وثمانية مليار متر مكعب من الإمارات العربية المتحدة، ناقص 5.4 مليار متر مكعب إلى الكويت ودبي، وكانت صادرات الغاز الطبيعي المسال من اليمن 8.9 مليار متر مكعب في العام 2014 قد توقفت بفعل الحرب الأهلية في اليمن.
زاوية أخرى يمكن التطرق تغيير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أمن الطاقة العالمي المتعلق بهذا المضيق، وهي قيام إيران بإدخال عبوات ناسفة إلى البحرين و المنطقة الشرقية المجاورة في المملكة العربية السعودية، وإيصالها إلى البلدات الشيعية التي يقع في بعضها أكبر حقول النفط والمصافي وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير في العالم، فهذه القنابل التي أدخلها وكلاء عراقيين نيابة عن إيران وهي تهدد هذه المناطق النفطية في حال تأكد وجودها.
بحر قزوين..والصراع المُركّب

يحد بحر قزوين حيويًا لكل من إيران وأذربيجان، فأذربيجان الغنية بالطاقة هي واحدة من أهم طرق النفط وتصدير الغاز في منطقة بحر قزوين، وبحر قزوين هو طريق هام لنقل موارد إيران الهائلة من الغاز الطبيعي للسوق الأوروبية؛ لأن الموقع الجغرافي لإيران يقضى بنقل غازها إلى أوروبا عبر طرق تمر في تركيا أو أذربيجان.

هذه المصلحة خلقت نقطة صراع للطاقة في بحر قزوين؛ فبهدف تحجيم النفوذ الإيراني في منطقة جنوب القوقاز، نجحت الإدارة الأمريكية من خلال الضغط وتقديم الامتيازات لدول المنطقة بإقصاء إيران، حدث ذلك عندما تم إخراج إيران من مشروع «الكونسورتيوم» النفطي الدولي في أذربيجان، كما استبعدت إيران من مبادرات تعزيز أمن الطاقة، أهمها مناورات وتدريبات عسكرية تحت مظلة «الناتو» بدأتها دول TAG الثلاث (تركيا- أذربيجان- جورجيا) منذ 2006، أيضًا بدأت أذربيجان وتركيا منذ العام 2013 في تأسيس وحدات عسكرية مشتركة، أعلن أنها بهدف حماية المنشآت الحيوية وخطوط الغاز والنفط.

كما يمكنا التطرق إلى دعم الولايات المتحدة لمشروع نقل النفط الخام من حقل «شيراججونشلي» الأذري من خلال خط يمر عبر العاصمة الجورجية تبليسي إلى ميناء جيهان التركي المُطل على البحر المتوسط لتصديره إلى الأسواق العالمية، إذ إن هدف الولايات المتحدة من ذلك هو تفادي عبور الخطوط من خلال الأراضي الإيرانية وكسر الاحتكار الروسي. فبعد إخراج إيران من مشروع الكونسورتيوم النفطي الدولي في أذربيجان (التسعينات من القرن العشرين) سعت روسيا لاحتكار نقل النفط الأذري عبر خط من باكو إلى ميناء «نوفوروسيسك» الروسي المُطل على البحر الأسود.
إغلاق الحوثيين لمضيق «باب المندب»يمنع نفط قناة السويس

قد يعتقد الكثير من المصريين أن قناة السويس التي تشكل شريان الحياة لاقتصادهم في مأمن عن أي خطر، والحقيقة أن ما يحدث في اليمن هو تهديد واضح للاقتصاد المصري؛ فبمجرد إغلاق بسيط لمضيق باب المندب من اليمن سيؤدي إلى إغلاق قناة السويس، ومنع عبور أي سفن نفط عبرها إلى أوروبا والعالم؛ لأن من يسيطر على هذا المنفذ البحري يتحكم في ناقلات النفط المارة عبر قناة السويس.
يمكن الخطر في سيطرة الحوثيين على مناطق عدة باليمن حتى أعلن أن اليمن منطقة مخاطر أعلى من سوريا والعراق، فسرعان ما ستمكن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب التحكم في عبور السفن النفطية بالمضيق وهو ما سيؤدى لتعطيل حركة مرور ناقلات النفط المتجهة إلي أوروبا و التي تعبر قناة السويس، ويؤثر على الإيرادات المتوقعة لمشروع توسعة القناة، وهذا ما يجعل خيار السفن تحويل إبحارها نحو الطرف الجنوبي لإفريقيا، وهي رحلة تستمر 40 يومًا على الأقل، يحصر خيار الدول الأوربية في نفط شمال إفريقيا وغاز نيجيريا.

وتواجه مصر أسوة بدول الخليج مخاطر إغلاق باب المندب أو السيطرة عليه من قبل الحوثيين وإيران، في ظل استمرار مشاركتها في التحالف الدولي لضرب الحوثيين؛ فمشاركة مصر في «عاصفة الحزم» التي جاءت للحفاظ على مضيق باب المندب جعلت مصر طرف قد يستفز من قبل إيران وحلفائها بالتأثير على قناة السويس.

كما لا تقتصر المخاطر الخاصة بقناة السويس كمنقطة أمن طاقة على باب المندب، فحدوث اضطرابات خطيرة في مصر قد يؤدي لتأثير على القناة، فرغم أن القناة عملت بشكل طبيعي أثناء اضطرابات الثورة المصرية (2011) إلا أنه سجلت بعض الحوادث البسيطة مثل استهداف سفينتي في العام 2013 بعد أن استهدفتهما مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة بقذائف صاروخية.
مضيق البوسفورومعركة العبور بين تركيا وروسيا

في نهاية ديسمبر (كانون أول) الماضي، تجاهلت سفينة حربية روسية تتجه نحو سوريا رفع العلم التركي خلال عبورها مضيق البوسفور التركي، هذا البرتوكول المتبع من قبل السفن التي تمر عبر المضيق ناجم عن توتر العلاقات التركية الروسية التي وصلت إلى حد التهديد بنسف المضيق.

وسبق أن هدد سياسيون روس بنسف المضيق؛ إثر حادث سقوط الطائرة الروسية، فاقترح زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي «فلاديمير جيرنوفسكي» نسف البوسفور بالقنابل النووية؛ انتقامًا للطائرة الروسية، فقال «محو إسطنبول من على وجه الأرض أمر غاية في السهولة، فالأمواج التي سيبلغ ارتفاعها من 10 إلى 15 متر بعد إلقاء قنبلة نووية واحدة على البوسفور ستمحو المدينة وتقضي عليها، كما يبلغ عدد سكان المدينة 10 ملايين نسمة».

لم تتمكن تركيا من إيقاف السفن الحربية الروسية المتجه نحو سوريا؛ لأن اتفاقية «مونترو» الدولية الصادرة في عام 1936 تمنح أية سفينة بضائع الحق في عبور مضيقي الدردنيل والبوسفور اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر المتوسط بحرية، ولا يحق لتركيا إيقاف السفن العسكرية الصغيرة والمتوسطة الأجنبية.
بالفعل فإن تركيا التي تقيدها هذه الاتفاقية لا تستطيع الإقدام على إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل بوابة روسيا للعبور من البحر الأسود إلى المتوسط، بالرغم من أن الوجود العسكري لروسيا في ميناء «سيفاستوبل» وميناء «طرطوس» أصبح يهدد بتحكم روسيا بمضيق البوسفور ومضيق جبل طارق الاستراتيجيين.

ومع هذا لا يُستبعد دخول تركيا في معركة دولية لتضييق استخدام مضيق البوسفور؛ إذ أثارت في السابق قضية المخاطر البيئية التي تحدق بسكان العاصمة اسطنبول من السفن المارة عبر المضيق، كما لا يُستبعد أن تستخدم تركيا في حالة تصاعد التوتر مع روسيا المضيق كورقة ضغط، وذلك بلجوئها إلى نظام القواعد الدولية الخاصة بحركة السفن في مضيقي البوسفور والدردنيل الذي أقرته بصورة فردية العام 1994، وهو نظام يتيح لتركيا الحق في منع مرور جميع السفن عبر المضيقين في حال القيام بعمليات الحفر فيهما، أو الأعمال الصحية أو إجراء الفعاليات الرياضية وفي كافة الحالات المماثلة الأخرى، وهذا ما استشعرته روسيا فلمحت لاعتبار ذلك بمثابة إعلان شاملة بينها وبين تركيا.
الصين تفرض قوتها على مضيق ملقا الإستراتيجي

أطول مضيق للملاحة البحرية في العالم(طوله حوالي 800 كلم، وعرضه بين 50 و320 كيلومتر)، يقع المضيق بين كل من ماليزيا وإندونيسيا كما تقع سنغافورة على طرفه، يمر عبره ما بين 80 إلى 90% من الواردات النفطية لدول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، كما تتواجد خلف هذا المضيق منطقة بحرية «جيواستراتيجية» تربط العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا وهي بحر الصين الجنوبي.

ويمثل المضيق بالنسبة إلى الصين، ممرًا استراتيجيًا مهمًا جدًا، إذ يمر عبره نفطها المستوردمن الشرق الأوسط وإفريقيا، وتعمل الصين لحفظ مصالحها من هذا المضيق على بناء قوة بحرية ضخمة، وهي لم تتوان عن فرض حزام دفاع جوي صيني فوق منطقة بحر الصين الشرقي، الأمر الذي وضعها في نزاع مع كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان، خاصة أنها قامت أيضًا بفرض منصة نفط بقيمة مليار دولار في منطقة بحرية تعتبرها فيتنام تابعة لها، كما أقامت منشأة في جزيرة تعتبرها ملكًا لها في منطقة بحر الصين الجنوبي فوصف الأمر بأنه «زحف صيني باتجاه ملقا».

الصين التي أخذت تبني منشآت حيوية واستراتيجية وتخلق نقاط اختناق بحرية ومواقع استراتيجية غرب وشرق المحيط الهندي من خليج عدن مرورًا ببحر العرب وليس انتهاءً بمضيق ملقا، فسرت خطواتها على أنها تندرج فرض السيادة على هذه المناطق التي من ضمنها مضيق ملقا، وهو ما يعني أن المضيق يشكّل أول نقطة اشتباك متقدمة في التنافس الاستراتيجي المتصاعد بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا من جهة أخرى.

ساسة بوست