الصادق الرزيقي

نحن والاتحاد الأوروبي


> مهما كانت اللغة الدبلوماسية المحايدة التي تحدثت بها وزارة الخارجية حول خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، على خلفية الدوي الهائل الذي أحدثه هذا الابتعاد الهروبي للانجليز عن الجسد المرهق في القارة العجوز، فإننا في السودان كشعب لا ينبغي ان ننفي او نحجب غبطتنا حين نري عُرى الاتحاد الاوروبي تنفصم وتتمزق، فقد ظل الاتحاد الاوروبي وهو يشكل العقل الجمعي للسياسة الاوروبية يقف ضد السودان وقضاياه، وظل يلزم عضويته بمواقف متشددة ومتطرفة وغير موضوعية ضد السودان وفي مقدمتها موضوع المحكمة الجنائية الدولية، وحرمت أوروبا الموحدة السودان من قروضها ومنحها وتمويلها بحجج واهية، وظلت كثير من البلدان الغربية ترغب في تمتين علاقاتها مع السودان لكنها تجد قرارات وسياسة الاتحاد الاوروبي ومفوضيته للعلاقات الخارجية تقف حجرة عثرة أمام أي تقدم تجاه السودان وإقامة علاقات وطيدة معه. > لسنا شامتين في ما يحدث في هذا الكيان من تضعضع وبداية انقسامات و تشظٍ، لكننا نقول إنه صار أضعف بخروج بريطانيا وكانت هي نفسها من أكثر الدول المتشدة تجاه بلدنا وعملت على إضعافنا وإخضاعنا للمشيئة الغربية وسعت إلى عقابنا وتجويعنا وتركيعنا، فقد ارتد النصل إلى نحور الأوروبيين ، كانوا يجبرون دول العالم الثالث على الانفصال والانقسام ومزقوها شر ممزق، وفتتوا وحدتها الترابية وصنعوا فيها ما أرادوا، فهم من أوجد بين شعوب المنطقة العربية والافريقية وآسيا الحدود الوهمية التي فصلت الأمم عن بعضها البعض ، وقطعت الارض الواحدة الى دويلات، وما اتفاقية (سايكس – بيكو ) ببعيدة عن الأذهان، فبها قسموا الوطن العربي وتقاسموا أسلابه وثرواته وقهروا شعوبه وضللوها واستغفلوها حتى صار العالم العربي تابعاً ذليلاً لأسياده، وزرعوا في قلبه الكيان الصهيوني بكل سوءاته وقبحه وعدم شرعيته. > ونذكر هنا أن الاوروبيين كانوا مثل الامريكيين ظنوا أنه بتحقيق الوحدة الاوروبية تكون نهاية التاريخ قد حلت وجاء زمانها، وظنوا أن ركاماً من التاريخ الدموي والحروب والخلافات وتباعد الشقة بينهم قد ولى عهدها وانتهى ، وظنوا انهم عندما استعمروا الشعوب والبلدان في قارات العالم القديم والجديد ونهبوا ثرواتها وأقاموا صروح حضارتهم ، أنهم بحكم الوعي والتطور قد ودعوا خلافاتهم التاريخية العميقة وطووا صفحات دامية من أزمنة سلفت كانت فيها اوروبا تغرق في دماء بعضها البعض. > التاريخ يعيد إنتاج ملامحه مرة أخرى، فبريطانيا طوال تاريخها كان لديها هاجس كل جزيرة محاطة بالماء، تظن أنها وحدها كيان منفصل لا يمكن ربطه بغيره، وأن مصيرها لا يمكن ربطه بمصائر سواها من البلدان والأمم، تعيش هواجسها وأوهامها، وظل البريطانيون ينظرون إلى أنفسهم وهم داخل الاتحاد الاوروبي على أنهم كيان مستقل له خصائصه وأهدافه وملامحه وتاريخه وطريقته، لم يندمجوا بالكامل في الاتفاقيات المؤسسة للاتحاد الاوروبي ولم يعملوا بها، وسواس الحروب والتاريخ الملطخ بالدماء والمذهبية الكنسية والخلاف مع البابوية والاسر التي حكمت اوروبا القديمة، لم تنزح من الذاكرة الاوروبية وخاصة الإنكليز ، عاشوا الحاصر بعقلية الماضي ، ويرون المستقبل من خلال ثقب يطل على التاريخ. > نحن في السودان ومنطقتنا العربية والافريقية، علينا أن ننظر إلى ما يحدث بأنه مرحلة مهمة من مراحل التحول الكبرى في عالم اليوم، فكل شيء في طريقه للتبدل ، امريكا التي انفردت بالعالم قرابة ثلاث عقود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتكريسها للقطبية الأحادية قد انتهت وتلاشت، وأوروبا التي حلمت بأن تكون القوة العالمية في السياسة والاقتصاد وتريد فرض مراداتها الجديدة على العالم كله، هاهي تتهاوى قلاع أوهامها، ولن يقف هذا التداعي لأن نهايته ستكون أكثر إيلاماً وخزياً عندما تنسحب دول الاتحاد الاوروبي واحدة تلو الاخرى مقتدية بالمملكة المتحدة التي هي نفسها تقف على شفا جرف هارٍ!! > لن يكون الاتحاد الاوروبي اليوم كما كان، ففي كل احواله لن يتعافى قريباً من الجرح البريطاني ، وسيحتاج الى وقت ليس بالقصير لصياغة مفاهيمه وتوجهاته السياسية، فامتصاص البركان الذي تفجر ليس عملاً سهلاً مهما بدا التماسك في تصريحات المستشارة الالمانية ميركل والرئيس الفرنسي هولاند، والغريب أن الدب الروسي هناك يبتسم ايضاً مثلنا!!