مقالات متنوعة

عمر العمر : الإصلاح بالتوافق أقل كلفةً وأسرع عائداً


> للبروفسير عطا البطحاني في عنقي امتنانان . أولاهما عرفانا بجميله إذ أومأ إلي بحضه على استكمال مقاله الموسوم (المبادرة القومية للإصلاح بين السياسة والتسييس). الثاني اعترافاً بقيمة المقال النابعة من عمقه. الأستاذ الجامعي المرموق طرح أنموذجاً مضيئاً للمساهمة المرتقبة من أصحاب المبادرة بغية إبقائها متقدة. بتناوله تجربة الحكم المحلي. وأضاء البطحاني مساحات غير مرئية في المذكرة. ومن شأن مساهمات من قبل المبادرين على النسق نفسه إثراء المبادرة عملاً فكرياً ليس فقط طرحاً سياسياً محضاً, على هذا المنوال يمكن الارتقاء بالمساهمات الصحافية من رطانة الهجاء الغث وضنك النكء السطحي الى شرفات العمل الذهني االمتوقد. وبمثل هذه الجهود يبدأ تفكيك الاستقطاب السياسي الحاد الخانق . > بجهده البصير يؤطر الأستاذ الجامعي الأزمة داخل الاستقطاب الحاد أو ما سماه التسييس الزائد. والبحث الرصين يشخص الأمراض المتضخمة لدى الطبقة السياسية . وهو يضع مبضعه على تشبث السياسيين بالعاجل على حساب الآجل، زنة الأجندة الوطنية بمعايير المناصب والامتيازات الشخصية بعقلية السوق.. البطحاني يؤكد في وصفته الطبية على إعادة تأهيل الملعب الوطني أمام تسوية تاريخية بمشاركة الجميع من أجل العبور بالوطن من المأزق الراهن .غاية الوصفة تحصين شبكة خدمات التنمية التنموية والمجتمعية ضد الاستقطاب السياسي . > في محاولة لمجاراة رؤية الأستاذ النافذة ربما يكون الأخطر من تسييس الجيش، القضاء ودولاب الخدمة المدنية، إقحام جهاز الأمن القومي في لعبة الاستقطاب الزائد .هذه المسألة لم تؤد إلى إخراج الجهاز عن مساره فقط بل كذلك تحميله أعباءً فوق طاقاته . بعض من تلك الأثقال أقعدت بعض من أجهزة الدولة عن أداء مهامها . بعض ساهم في تشويه صورة الجهاز والعاملين فيه حد التكريه . والوضع برمته أفضى إلى تغليب ادارة السياسة بالذهنية الأمنية . > تأجيج الاستقطاب السياسي بنعرات قبلية جهوية وإثنية فتح الطبقة السياسية على صعيد السفح والسقف أمام صعود عناصر لا انشغال لها بالهم الوطني . لعل هذا أحد ابرز المياسم في إضعاف مضمون المواطنة . اكتناز المسرح بمثل هؤلاء أدى – ضمن سلبيات مشابهة – إلى هزال مشاعر الفخار بالانتماء للوطن والإحساس بالهوية الوطنية . السلطة الشمولية القائمة على الاستقطاب تبدد ذلك الإحساس إذ هي تساوي بين الولاء للوطن والولاء لها أو تغلب الثاني على الأول أحيانٍ عديدة . > الاستقطاب الحاد أثقل هيكل الدولة بفائض بيروقراطي، العطالة المقنعة لم تؤثر على البطالة المكدسة وسط الشباب . هذه إحدى قسمات الأزمة المستفحلة . هي تعكس ملمحاً من الفساد كما الإخفاق في إدارة موارد البلاد . سوء توظيف عائدات النفط إبان الطفرة يجسد أبلغ صور إهدار الفرص . > كأنما لا يوجد من يدرك استحالة إحداث تقدم سياسي في غياب تنمية اقتصادية واجتماعية . معاناة الشعب وإخفاق السلطة أكثر استحكاماً مما كانا عليه قبل عشرين سنة. الطموحات الشعبية تدنت من الحلم بإصلاح الحال إلى التمني بثبات إيقاع التدهور وليس كبحه . الساسة لا يحاولون إصلاح خدمات التعليم والتطبيب بل ينكبون على الاستثمار في بيئتهما الخربة. الاختلال الاقتصادي لم يضع السلطة وحدها عند مفترق طرق بل يهدد بكارثة على صعيد الوطن بأسره .الأستاذ الراسخ محجوب محمد صالح حذر من مغبة انفجار وشيك للأزمة. > من هنا تكتسب دعوة التسوية السياسية أهمية قصوى . التغيير من أعلى يجنب البلاد والشعب الانزلاق إلى مهابط وعرة . ذلك مصير حتمي حال اندلاع الغضب الشعبي بفعل استحكام الضائقة الاقتصادية .صبر الشعب لم يعد يحتمل عمليات الترقيع وممارwسات التسويف . وقت الانفجار العارم يستلهم الشعب آليات تجاوز عنف الدولة وعجز المعارضة . رغم التردي المريع كأنما الناصحون يكتبون وصفات طبية لمريض آخر. المعنيون مصرون على ممارسة القفز على الواقع ليجدوا أنفسهم حتماً قفزوا خارج التاريخ . هؤلاء لا يدركون أن الدولة كائن سياسي له مثل كل الكائنات صيرورة حياتية من الميلاد إلى الممات. > لكل هذا رهاني على إبقاء جذوة المبادرة متقدة ، إذ فيها أمل الخروج الآمن من المأزق . إن أخفق تحريضي مجموعة المبادرين فلعل مقال بروفيسور البطحاني يشكل أنموذجاً محركاً لقدح الأذهان في سبيل تحقيق إصلاح مبني على التغيير بالتوافق، لا أقول التوازن حتى لا يجرفنا البعض إلى المحاصصة . ذلك مسلك يورطنا في تقنين التجزئة. الإنجاز على هذا الدرب أقل كلفة وأسرع عائداً . الأستاذِ الطيب زين العابدين أبان – له الثناء – دأب المجموعة على صب الزيت في الماكينات الصدئة بغية تحريك دواليب الخمول المترهل.