جمال علي حسن

العرب بعد الـ(بريكسيت).. الفرصة والدموع


العرب.. جميعهم، متفاعلون مع (بريكسيت) بريطانيا، وبداية انهيار الاتحاد الأوروبي أكثر من تفاعلهم مع خيباتهم وتفتتهم..
يبكون على الاتحاد الأوروبي بمجرد إصابته بحالة مرضية ويذرفون الدموع على خروج بريطانيا وبداية نهاية النموذج الناجح الوحيد في أذهانهم والنموذج الحضاري الأوروبي الذي ظلوا منبهرين به وبإنسانه وبكل ذرة في تراب القارة العجوز ..
ولم تسقط من عينهم دمعة واحدة من قبل حين سقطت وانهارت جميع المشاريع القومية العربية، وحين فشلت وتعثرت كل مسارات الوحدة العربية .
نعم الـ(بريكسيت) كان مهماً للتجربة الإنسانية في التقييم والتقويم خاصة وأن هذا الخروج من الاتحاد الأوروبي كان بسبب نقطة الضعف الأساسية في تكوين هذا الاتحاد ألا وهي فقدان الهوية الثقافية المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي والتي تبرر التضحية والتحمل، فنتيجة الاستفتاء لم تكن هي خيار مواطن تنقصه القدرة والإمكانية والوعي بمصالحه وبأهمية الوحدة وبمخاطر الخروج.. هو مواطن متحضر جداً بل هو مواطن أعرق الديموقراطيات في العالم، لكنه ضاق بتحمل بعض أعباء شركائه الآخرين وضاق بضيوفه المهاجرين الذين ضايقوه في حقوقه فانتفض وغضب وعاد للخيار التقليدي اليميني المتخلف وهو خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي والانحياز المتعصب لهويته البريطانية وتقاليده .
الخروج أو نتيجة (البريكسيت) هي نتيجة يمينية متطرفة لذلك أيدها اليمينيون في العالم أمثال ترامب في أمريكا.. وحين نتحدث عن يمين ويسار لا نتحدث عن أي بعد ديني لهذا الوصف بل نتحدث عن اصطلاح علمي لوصف من يتمسكون وينحازون للخيارات التي تحفظ تقاليد المجتمع في مقابل الآخرين الذين يدعون إلى فرض المساواة بين أفراد المجتمع الواحد .
العرب حزنوا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحزنوا على خفوت بريق هذا النموذج الذي كان يمثل لهم النموذج الحضاري المعاصر الذي ظل يتحدث به المثقفون العرب وعن أحلام الوصول بمجتمعاتنا العربية الى نموذجه .
لكن بعد الآن وبعد (البريكسيت) ليس الموقف موقف دموع بل عليكم أيها العرب أن تفكروا في الاستفادة من بدايات فشل هذا الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على أعضائه وبداية الانهيار فقد كنا في الماضي ننظر لاتحاد دول أوروبا على أنه نموذج مبهر وأنه نجح بسبب قيامه على مبدأ المصالح والقيم العملية، وأننا كعرب لم ننجح في تطوير وتحقيق أحلام الوحدة العربية بسبب رهاننا فقط على الهوية المشتركة فكانت شعارات القوميين تقول (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) فلم تتحقق تلك الوحدة لأنها أهملت القيم العملية وأهملت المصالح كعنصر مهم .
لكن بداية انهيار نموذج الاتحاد الأوروبي تغرينا لمراجعة تجربتنا وتجربتهم والتأسيس لمشروعات وحدة واتحاد عربي تزاوج بين القيم المثالية كقيمة الهوية والدين وبين القيم العملية مثل قيمة المصالح المشتركة..
اتحاد يستفيد من تجربة الاتحاد الأوروبي ويعالج أزمة الهوية في اتحاد أوروبا ويستصحب أيضاً المصالح المشتركة التي وحدت أوروبا لكن تأكد للجميع الآن أن المصالح مثلما توحد الدول بسرعة لكنها تنهار بنفس السرعة حين تتراجع تلك المصالح بينهم ويكون الاعتماد عليها هي وحدها بلا هوية مشتركة ولا أي جامع ثقافي آخر بينهم .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.