يوسف عبد المنان

ضابط البوليس


هبطت طائرة تاركو في مطار الجنينة صباحاً.. وترجل الفريق “أحمد التهامي” رئيس لجنة الأمن والدفاع من سلم الطائرة إلى السيارة التي كانت تنتظر رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس الوطني التي أسند إليها تقديم تقرير للبرلمان عن أحداث (أزرني) أو مجزرة أزرني التي قتل فيها المواطنين ركعاً سجوداً داخل بيت الله ممن لا أخلاق لهم ولا دين ولا رجولة ولا شهامة.. لم يذهب الفريق “التهامي” لحكومة الولاية وأجهزتها ليسمع منهم روايتهم.. عن الأحداث لأن خبرة ضابط الشرطة الذي ترقى من ملازم صغير متجولاً بين الأقسام والإدارات ومدن السودان المختلفة حتى بلغ رتبة فريق شرطة جعلته يذهب أولاً لمواقع الأحداث ويسمع روايات أسر الضحايا.. ويعيش المأساة بنفسه يشاهد ودموع الأرامل وأنين الأطفال.. ومن ثم يعود للجنينة للإصغاء لتبرير الحكومة الولائية التي تقف مع الجاني ضد المجني عليه، وتدين جثة المقتول وتبرئ خنجر القاتل، أقصد (كلاشنكوف) القاتل وهي عاجزة تماماً عن القبض على الجاني أو غير راغبة في ذلك، وإلا لما تكبد السلطان “سعد بحر الدين” ورهط من (الفرش) أي قادة المجتمع مشاق السفر للخرطوم ثقة في القيادة السياسية والتنفيذية هنا.. بأنها قيادة تقيم العدل بالقسط ولا تتحيز لفئة دون أخرى خاصة وأن أحداث (أزرني) ليست صراعاً قبلياً بالمعنى المتعارف عليه.. في أحداث فردية.. لكن قاتل المصلين في المسجد ينتسب لمليشيات معروفة تستطيع الحكومة القبض عليه وتقديمه للمحاكمة. كل مطالب وفد السلطان “سعد بحر الدين” أن ينفذ القانون ويشاهد الناس ميزان العدالة أمامهم ويشعرون بحياد الدولة وقسطها وعدلها.. وتلك هي النتيجة التي توصل إليها الفريق “التهامي” رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان قدم تقريراً مهنياً وشجاعاً واحترافياً.. في كيفية معالجة الحدث ولملمة أطرافه ومسح دموع اليتامى والأرامل من الذين حصد الرصاص أرواح آبائهم وهم يرفعون الأكف لله أن يأخذ القانون الجناة أخذ عزيز مقتدر.. أمثال الفريق “التهامي” تجربته التي تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً في الشرطة يمثل إضافة حقيقية للبرلمان الذي يبحث عن مثل هذه الخبرات ولا يجدها.
وضباط الشرطة أو البوليس يمثلون تراكم خبرات مهملة لم تستفد منهم الدولة في حسن إدارة نفسها.. والقليل جداً من ضباط الشرطة الذين أسندت إليهم مناصب تنفيذية وسياسية (حققوا) نجاحات لم يحققها غيرهم من فئات الخدمة العامة.. ويذكر الناس موقف الفريق “الطيب عبد الرحمن مختار” حينما كان والياً على الفولة.. وجاءت اتفاقية نيفاشا وقررت إلغاء ولايته وتقسيمها إلى ولايتين. رفض الفريق “الطيب مختار”.. القرار وحملته الجماهير على أعناقها وطافت به ، وعلناً لم يجرب بعد تعيين كبار ضباط الشرطة خاصة في مناطق الأزمات مثل دارفور التي إذا لم تأخذ الحكومة بتقرير أمثال الفريق “التهامي” قد تعود مرة أخرى لمربع أسوأ مما كان بالأمس.