عثمان ميرغني

(المُحرِّش.. ما بكاتل)..


ليلة أمس الأول شاهدت نشرة أخبار قناة “الشروق”.. وضعت يدي فوق رأسي من الدهشة والحيرة..
كل الأخبار (السودانية) تقريباً كانت ترسم لوحة مُرعبة عن بلدنا.. من يتفرّج عليها يظن أنّ السودان دولة تعيش مآسي سوريا أو اليمن..
البداية من جبل مرة.. وفد اتحادي إن لم تخني الذاكرة برئاسة وزير الدولة بوزارة الرعاية الاجتماعية يعد مواطني جبل مرة بالتكفل بغذائهم لمدة ستة أشهر.. الكاميرا رغم أنّها في جبل مرة (شخصياً).. موطن الخُضرة والجمال والطبيعة الخلابة.. إلاّ أنّها لم تكشف سوى “اليونيفورم” والحراسة والتأمين المُشَدّد حول الوفد.. ثم صور الشخصيات الدستورية الرفيعة وهم يخطبون في المُواطنين.. وحتى الـ(مخطوب فيهم) لا يظهرون إلاّ بلقطات بعيدة أو حين يتطلّب الأمر إظهار (فرحهم) الغامر بزيارة الوفد الفاخر.
ثمّ من هناك إلى أربع مناطق أخرى في مُختلف أنحاء السودان كلها مُحتشدة بصُور الحرب.. وأخيراً حينما وصلت الأخبار إلى شرق السودان، حيث لا حرب أصلاً.. فإذا بالخبر مَشاهد جرارات زراعية في مكان أشبه بمعرض كبير وحولها شباب الدفاع الشعبي بالزي العسكري وهم يُعلنون استعدادهم لحماية الموسم الزراعي في الحُدود الشرقية ضد عصابات الشفتة الشهيرة..
تصوّرت في خيالي مُستثمراً أجنبياً في بلده تراوده فكرة الهبوط الآمن لأمواله في السودان بلد الخيرات.. ثم يشاهد نشرة قناة “الشروق”.. بالله ماذا سيفعل؟
خمسة أخبار رئيسية من أقصى غرب السودان إلى أقصى الشرق كلها تحت عنوان واحد (الحرب).. هل يُعقل هذا؟
بالله عليكم.. الوفد الاتحادي الذي سافر إلى جبل مرة لتقديم الإغاثة الإنسانية.. ماهي دواعي نقل هذا المشهد في الأخبار؟ سوى أن يفرح المسؤولون بصور (السيلفي).. هل يظن الإعلام الرسمي أن مثل هذه الأخبار تُفيد المُشاهد؟
جبل مرة تحرّر من الحرب وما عاد ميداناً للقتال.. لماذا تصر الوفود الرسمية المَتبوعة بكاميرات الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على تثبيت صُور الحرب والوضع الاستثنائي..؟
كذا الحال في أقصى الشرق.. جميلٌ أن توفر الحكومة التأمين العسكري للمُزارعين ضد العصابات.. لكن لماذا نَتَبَاهَى بذلك في الفضاء المفتوح؟ فهو أصلاً من واجب الحكومة ولا حاجة لإشهاره في العالم أجمع.. فالصورة المنقولة جوّاً تسافر في أركان الدنيا الأربعة لترسم واقعنا في أذهان الآخرين..
عندما تكون رسالة الإعلام وهدفه إرضاء الحكومة.. فإنّ الخاسر الأول هو الحكومة نفسها.. فالحكمة الشعبية السودانية تقول (المُحرِّش.. ما بكاتل)!!