حيدر المكاشفي

افطارات الشو والعلاقات العامة


نعم لقد صدق إمام مسجد الخرطوم الكبير حين طالب المسؤولين في خطبة الجمعة بترك الراحة والنوم والدعوات الخاصة والولائم، وأن يعيشوا مع الشعب في هذا الشهر بأطراف المدن، بغية أن يعرفوا كم هي المعاناة التي يعيشها الفقراء والمساكين، وأضاف (نريد منهم أن تتجلى الرحمة في ذلك)، إنها والله كلمة حق في حق هذا الشهر الفضيل المبارك شهر الرحمة والتوسعة على الفقراء والمساكين، وليس للقاءات العلاقات العامة لعلية القوم ونخبهم، ولهذا كلما أطلت علينا صور هؤلاء السادة وهم يتحلقون مع مدعويهم من (الكبار والكبراء والنخب والوجهاء والنجوم) على موائد الولائم الممدودة، وهم يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم ويتبادلون الابتسامات والقهقهات، تقاطع أمامي هذا المنظر الذي قيل أنه يجيء في إطار ما يعرف بالإفطار السنوي للجهة الرسمية الفلانية أو للمسؤول السيادي الفلتكاني، مع مرأى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أحد أيام رمضان وهو يتوسط أفراد أسرة ليست فقيرة فحسب، بل مدقعة في كل شيء، يتناول معهم إفطارهم البائس ويسعى أثناء ذلك للتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم ثم معالجتها بشكل آني وفوري، وحقاً (شن جاب لي جاب)، فهل يمكن أن يكون ما يفعله هؤلاء وما دأب على فعله رجب طيب أردوغان، فعلين متساويين ويجمعهما مسمى واحد هو (إفطار الصائمين)، بالطبع لا وألف لا، فهناك فرق وفرق كبير جداً وجوهري، فما ينشط فيه هؤلاء السادة هو أقرب لأن يكون برنامج تواصل اجتماعي وعلاقات عامة لبعض الشخصيات، مع الحرص على نقل تلك الوليمة و (الهلمة) بالصوت والصورة، بينما الذي يفعله رجب طيب أردوغان واعتاد عليه كل رمضان، هو أنه يذهب إلى المناطق العشوائية والطرفية الفقيرة ويدخل دون سابق موعد أحد بيوتها البائسة الكالحة على مقربة من موعد الإفطار، ويظل هناك إلى أن يتناول مع هذه الأسرة طعام إفطارها البائس، ولا يخرج منها إلا وقد أسعدها وحل مشاكلها، ثم لا ينسى قبل أن يعود إلى قلب العاصمة أن يعرج على بيتين آخرين أو ثلاثة، بحسب ما يسمح الزمن لذات الغرض التكافلي التراحمي النبيل..
نحن لا نقول ولا ينبغي لنا أن نقول للأشخاص العاديين لا تقيموا إفطارات لخاصتكم من الأهل والأصدقاء والزملاء، بل بالعكس فمثل هذه الإفطارات الخاصة أمر محمود وصنيع مشكور يمتن العلاقات الأخوية ويقوي صلة الرحم، ولكن للأشخاص الاعتباريين والجهات الرسمية لنا ألف قول، فرمضان هو شهر الفقراء الموجب للرحمة والعطف على المساكين والذي من حكم مشروعيته هو أنه يجعلك تشعر بجوع الآخرين من الفقراء وما يعانونه من حرمان، كان الأولى به هؤلاء الفقراء والمعدمون والمحرومون في الأطراف والهوامش، في هذا الشهر الذي اختصهم به من فرض الصوم وفي بقية الشهور الأخرى متسع لأي عزومات ودعوات.. وبعد هذا هو فقط مثال أردوغان، أما ما كان عليه السلف الصالح في هذا الخصوص، وكيف يفعلونه فتلك دروس أخرى..